مقدمة ...
أن تسوية المنازعات بالطرق الودية فيما بين الأطراف برزت اليوم من جديد كإحدى أهم انشغالات الأنظمة الحديثة في مختلف أرجاء المعمورة ، ولما يؤول إليه ذلك من أمن واستقرار وسكينة ، وهو ما يسمح للحكومات بتسخير إمكانات مادية وبشرية ومعنوية هامة في هذا المجال إحقاقا لتلك الأهداف النبيلة .
1- أهمية التسوية الودية للمنازعات :-
إن ضريبة التحديث والتطوير قد تذهب بالدولة إلى إعادة النظر في بعض المهام الملقاة على عاتق القضاء ، ونذكر من بينها إمكانية إحداث أنظمة عدلية شبه قضائية أو خاصة موازنة للأجهزة القضائية ، يكون على عاتقها تسوية النازعات بشكل أكثر مرونة وأكثر سرعة وبأقل التكاليف وأهون الإجراءات الشكلية ، وهذا ما نصطلح اليوم عليه بإقرار الطرق البديلة أو الموازية في تسوية المنازعات ، سواء كان ذلك على المستوى الدولي ، ونذكر من بين هذه المؤسسات التي يتم استحداثها في هذا الشأن : لجان التوفيق والمصالحة ولجان الوساطة والهيئات التحكيمية وغيرها من اللجان المماثلة .
لا يجادل أحد في الأهمية البالغة التي يحظى بها التوفيق والمصالحة فيما بين أطراف النزاع ، حيث لو لم يكن ذا أهمية حيوية اجتماعيا واقتصاديا لما قننته معظم الدول وجعلته بعضها طريقا بديلا أو موازيا في تسوية النازعات بجانب القضاء .
وقبل الشروع مباشرة في سرد مزايا طرق التسوية الودية للمنازعات لا بأس من الإعلان عن أن أسباب نزول هذه الطرق الودية إلى الواقع وفرض ذاتها ونيل مصداقيتها تتجلى أهمها فيما واجهه القضاء من صعوبات : كشساعة مساحة الدولة جغرافيا وقلة المحاكم وقلة عدد القضاة وتعدد القضايا وتزايدها والبطء المترتب جراء ذلك في حسم تلك القضايا وطول الإجراءات وكثرتها وما أصبح يستلزمه الحل القضائي في مختلف درجات التقاضي من تكاليف مادية ومعنوية ، دون الإشارة إلى صعوبات وسلبيات أخرى في العديد من الدول تدفع بالمرء إلى أن يعرض قضاياه ونزاعاته على جهات شبه قضائية أو خاصة توفيقا أو تحكيما فرارا من كل هذه الصعوبات الجمة التي قد تكون في بعض العاملين في حقل القضاء أو الدفاع أو في الأطراف أنفسهم أو في القوانين التي قد تعتورها العديد من الثغرات .
وإن هذه الصعوبات إلى تسوية المنازعات عن طريق التوفيق والمصالحة نظرا لما يتسم به هذا الأسلوب من خصائص ومن ايجابيات أهمها : السرعة في حل المنازعات وقلة التكاليف إن لم نقل انعدامها في بعض الدول واشتراك جميع الأطراف بجانب القاضي أو الخبير أو المحكم في إيجاد حل ودي أخوي دون فرض حكم فوقي غير معلوم مسبقا ، بالإضافة إلى مرونة الجانب الإجرائي لدى لجنة التوفيق والمصالحة واحترام السرية من طرف الجميع وإسهام أحكام هذه اللجان في تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية واحتكام القاضي إلى قواعد العدالة والإنصاف التي يقتنع بها هو دون التقيد بثقل إجراءات التقاضي العادية والمألوفة قضائيا ، دون إغفال أن الحكم الصادر هو حكم غير قابل للطعن .
وكل هذه العناصر الايجابية تسمح فعلا للجميع دولة ومواطنين وغيرهم من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين باللجوء إلى هذا الأسلوب الودي والتكثيف منه بعد تطويره وتحسين كيانه بدعمه ماديا وبشريا وتنظيميا بشكل متواصل ودون انقطاع .
2- التأصيل الشرعي والقانوني للتوفيق والمصالحة :-
أن عمان وهي تتبنى تسوية المنازعات فيما بين الأطراف بالطرق الودية عن طريق التوفيق والمصالحة ويجعلها تنسجم مع هويتها كدولة عربية إسلامية أصيلة ديانتها الإسلام ، والشريعة الإسلامية أساس تشريعاتها .
وإن الشريعة الإسلامية الغراء مليئة بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تحث على هذه التسوية التصالحية والتحكيمية ، بل ترغب وتلح عليها فيما بين الناس ، كالآية : " إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم " وآية " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ".
وكذلك قوله ( ص ) : " الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما " ، بل ونجده (ص) يحث بعض القبائل على العمل بهذا التحكيم فقط وذلك حينما نصح قبائل بني كرناطة بأن تعمد إلى حل نزاعاتها بواسطة التحكيم والتوافق .
إن السلطنة تعمل بأحكام الشرع الإسلامي بموجب نظامها الأساسي الذي نص على العدل والقضاء في أكثر من مادة ( 9 – 25 – 59 ) نظرا لما توليه الدولة لهذه السلطنة من أهمية بالغة وخاصة في عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه ، والذي ما فتئ في كل مناسبة يلح على أهمية العدالة بين المواطنين ويوليها حفظه الله بالغ عنايته وموصول رعايته ، ونجد بهذا الصدد أن النظام الأساسي في مادته (25) وهو ينص على حق التقاضي المصون للجميع وفقا للقانون ، ويضيف عبارة هامة تهمنا بهذا الصدد حينما نص على أن " تكفل الدولة قدر المستطاع تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا " ، وهذا ما ينطبق على لجان التوفيق والمصالحة كإحدى جهات التقاضي التي تتميز عن كافة الجهات القضائية الأخرى بالسرعة في الفصل في القضايا وغيرها من المزايا .
3- أنواع الصلح أو المصالحة :-
نظمت مختلف التشريعات الحديثة ورش تسوية المنازعات بالطرق الودية في العديد من القضايا وبطرق إجرائية متباينة ، حيث تارة تجعله في يد القضاة على معظم مختلف مستويات التقاضي ، وتارة تسمح به للقائمين على بعض المصالح أو المؤسسات الإدارية وهو ما يجعلنا نراه على نوعين : صلح قضائي ، وصلح قانوني ، ينقسم الأخير بدوره إلى قسمين ، بخلاف البعض الذي يراه على ثلاثة أنواع في المجموع وهو ما سنبينه تباعا كما يلي :
( أ )- صلح قضائي :
الصلح القضائي هو تلك الإمكانية القانونية المسموح بها مسبقا لقضاة المحاكم بأن يعرضوا فيها على الأطراف المتنازعة مبدأ التوافق الودي قبل عرض القضية على أنظارهم مباشرة ، إذ ثمة مجالات محددة يعرض فيها القضاة أيضا على المتنازعين فرصة هذا التصالح الودي والتفاهم الأخوي قبل إخضاعهم للقضاء مع ما يتطلبه ذلك من إجراءات قد تكلفهم الوقت والمال وغيرها من التضحيات .
وأن هذه الإمكانية التصالحية يعمل بها المشرع العماني في العديد من القوانين كقانون الإجراءات المدنية والتجارية الذي ينص صراحة في المادة ( 99) على أن :" تبدأ الجلسة الأولى بعرض الصلح على الخصوم ، فإذا لم يتم الصلح تجري المرافعة في ذات الجلسة .... " .
( ب )- صلح قانوني :
الصلح القانوني هو ما تنص عليه مختلف القوانين في ثناياها ، حيث تفتح للجهات المسئولة من حين لآخر باب دفع الأطراف المعنية إلى التصالح فيما بينها بشكل ودي قبل إخضاعها للقواعد القانونية الآمرة التي يتم فيها رفع القضايا إلى المحاكم ، كما هو منصوص عليه مثلا في بعض مقتضيات قانون العمل المتعلقة بالمنازعات الجماعية ( الباب الثامن ) ومقتضيات قانون التحكيم التجاري وكذا قانون غرفة التجارة والصناعة وقوانين أخرى بما فيها القانون الجزائي والقانون الإداري وغيرها من فروع القانون العام في حدود جد ضيقة .
من خلال معاينة العديد من التشريعات نستنتج أن الصلح القانوني يتم تنظيمه في الغالب على مستويين اثنين : إما على مستوى الأجهزة الإدارية وغيرها من المؤسسات المماثلة ، وإما أمام لجان التوفيق والمصالحة ويصطلح عليه بالمصالحة التوافقية ، وهكذا فهو على نوعين اثنين : مصالحة قانونية أو مصالحة توافقية كما سيتبين أدناه :
- المصالحة القانونية :
نجد إمكانية المصالحة أو الصلح القانوني معمولا بها في العديد من التشريعات الحديثة ، ونذكر من بينها القانون المصري مثلا في العديد من تشريعاته كقانون التأمين الاجتماعي رقم 79 / 1975 ، والتصالح القانوني وفقا لقانون المرور رقم 5 / 1999 ، وكذا التصالح في القانون الواقي من الإفلاس رقم 17 / 2000 في القانون التجاري ، دون إغفال التصالح الذي ينظمه قانون العمل رقم 37 / 1981 في الباب المتعلق بالمنازعات .
- المصالحة التوافقية :
وهو ما يدخل في باب التسوية الودية للمنازعات عن طريق اتفاق الأطراف المتنازعة باللجوء إلى التوفيق والمصالحة أو التحكيم أو غيرها من أوجه الصلح ، وبالتالي هي ليست صلحا منصوصا عليه في القانون على قضايا محددة بذاتها وعلى أطراف معينين بصفاتهم ، كما أنها لا تتم أمام المحاكم وباقي الأجهزة الإدارية .
وهذا ما نص عليه المشرع العماني من خلال المرسوم السلطاني رقم ( 98 / 2005 ) أسوة بالعديد من التشريعات العربية كالقانون المصري والقانون المغربي والقانون الأردني والقانون الإماراتي وغيرها .
وأن عمان ، ولله الحمد تعمل بمختلف أنواع الصلح والمصالحة أعلاه قضائية كانت أو قانونية أو توافقية ، وتبذل وزارة العدل قصارى جهودها من أجل ترسيخ لجان التوفيق والمصالحة في الوسط المجتمعي العماني ، والحث على اللجوء إليها بشكل أوسع من طرف مختلف المواطنين وكافة المتنازعين .
4- المفهوم القانوني للتوفيق والمصالحة :-
يبدو أن المشرع العماني أحسن صنعا حينما اصطلح على التسوية الودية للمنازعات فيما بين الأطراف بمصطلح التوفيق والمصالحة من خلال اللجنة المحدثة خصيصا لهذا الغرض ، حيث إن الجهة المختصة بحسم النزاع تستقبل الأطراف المتنازعة وتلجأ في البداية إلى الإنصات جيدا لخلافها عاملة على التوسط فيما بينها بمحاولة التوفيق والتقريب فيما بين وجهات النظر المعرضة متوخية الوصول بها في الأخير إلى المصالحة المنشودة من طرف الجميع .
ويمكن من خلال ما سلف استنتاج العديد من التعريفات بهذا الشأن نرى أنها بشكل عام لا ينبغي أن تخرج عن أن التوفيق والمصالحة هو تسوية القاضي أو من يقوم مقامه للنزاع المعروض عليه من الأطراف بشكل ودي واختياري دون اللجوء إلى القضاء ، مع إبداء الاستعداد اللازم لتبادل ما يلزم من تنازلات وتضحيات ببعض الحقوق من أجل الوصول الى توافق , أو عكس ذلك يتم تسجيله في محضر رسمي ذب قوة تنفيذية فيما بين الأطراف أمام باقي الجهات القضائية .
5 - شروط التوفيق والمصالحة :-
من خلال المفهوم أعلاه يتبين أن تسوية النزاع عن طريق التوفيق والمصالحة تتطلب توافر شروط وعناصر محددة حتى تكتمل مقوماته القانونية ، وهي في رأينا كالتالي :
أ – اتفاق الأطراف المتنازعة على اختيار طريق المصالحة .
ب – اللجوء إلى جهة الصلح المحايدة شبه القضائية .
ج – قبول الأطراف القيام بما يلزم من تنازلات وتضحيات للصلح .
د – صدور قرار الصلح بعد التوافق عليه من طرف المتنازعين وله من القوة ما يجعله سندا تنفيذيا أمام الجهات القضائية وغيرها .
6– أركان التوفيق والمصالحة :-
إن الجهة المختصة بالتوفيق والمصالحة لا يتأتى لها انجاز مهمة الصلح بين الأطراف المتنازعة اللاجئة إليها إلا بعد توافر أركان أساسية في النزاع وفي هذه الأطراف نذكر أهمها في ما يلي :-
أ – تمتع الأطراف بكامل الأهلية .
ب - خلو إرادة الأطراف المتنازعة من كافة عيوب الرضا .
ج – ضرورة توافر محل النزاع على الشروط اللازمة من أجل جعله موضوعا قابلا للتفاوض بشأنه من طرف لجنة المصالحة ، أي أن يكون المحل هو ذاك الحق التنازع عليه وأن يكون موجودا فعلا وأن يكون ممكنا ومعينا أو قابل التعيين وفي الأخير أن يكون مشروعا .
د – كون سبب اللجوء إلى المصالحة مشروعا تحقيقا لغاية نبيلة وشريفة يتوخى منها تحقيق أغراض تخالف النظام العام .
7 – تشكيل لجان التوفيق والمصالحة :-
لا بأس من الإشارة إلى أن لجنة التوفيق والمصالحة لا تمس في شيء لا من قريب ولا من بعيد صلاحيات المحاكم القضائية بشأن تسوية النازعات عن طريق الصلح أيضا ، وبالتالي هي لجنة تنشأ بقرار من وزير العدل بصفته الوزير الوصي على قطاع العدل ، موازاة مع ما يقوم به القضاء أيضا في مجال الصلح ، وبالتالي إن إحداث هذه اللجان وتحديد إجراءات عملها وتشكيلها واختصاصاتها تبقى رهينة قرار الوزير الوصي ، فهو الأدرى أكثر من غيره بالحاجة الملحة لهذا النوع من اللجان وبطبيعتها وكيفية سير أعمالها إلى غير ذلك من المتطلبات .
وبالنسبة ؟ إلى تشكيل اللجان فأن المادة الخامسة من المرسوم تنص صراحة على أن اللجنة هي إما ذات تشكيل قضائي أو شبه قضائي أو مكونة من ذوي الخبرة والحكماء .
( أ ) – التشكيل القضائي :-
وتنص المادة الخامسة أعلاه على أن الأولوية في تشكيل لجان التوفيق والمصالحة هي للقضاء حيث ينبغي أن يرأسها أحد القضاة وينظر في المنازعات بمعية قاضيين اثنين من هيئة القضاء .
( ب ) – التشكيل المختلط :-
يسود الطابع شبه القضائي في تشكيل لجان التوفيق والمصالحة وذلك حينما تكون مشكلة من قاض وممن ترى الوزارة أن ظروفهم تسمح لهم بالتكليف بهذه المهمة ممن تتوافر لديهم الخبرة والحكمة من المشايخ والرشداء ، وغالبا ما يتم ذلك حينما تجد الوزارة الوصية نفسها أمام ضائقة قلة القضاة ، حيث يمكن أن تسند الرئاسة لأحد القضاة وتكون العضوية لشخصين اثنين من الفئة المعينة أعلاه .
( ج ) – اللجنة المشكلة من الأشخاص المعينين ذوي الخبرة والحكمة :-
إن الصلاحيات التقديرية الهامة التي يحظى بها وزير العدل بشأن إحداث لجان التوفيق والمصالحة ، تسمح له بالاقتصار في تشكيل هذه اللجان على بعض أهل المنطقة ممن هم من ذوي الخبرة والحكمة وذوي الهيبة والتقدير في المناطق والولايات من المشايخ والرشداء برئاسة أحدهم وعضوية اثنين منهم ، وغالبا ما يكون الدافع إلى ذلك هو بالإضافة إلى عدم التمكن من إيجاد العدد الكافي من القضاة الذين بإمكانهم سد الفراغ مسألة إشراك أهل المنطقة في الإسهام في تحمل المسؤولية في حل بعض المشاكل المطروحة محليا حتى على مستوى التسوية الودية للمنازعات .
8 – تدابير ضمان سير عمل اللجان :-
اهتم المرسوم السلطاني أيضا بالجانب الإداري للجان التوفيق والمصالحة ضمانا لحسن تدبير سير عملها اليومي وهذا ما تنص عليه المادة السادسة من قانون التوفيق والمصالحة حيث : " يتولى العمل الإداري باللجان عدد كاف من موظفي الوزارة يصدر بندبهم أو تكليفهم – وفقا لأحكام قانون الخدمة المدنية – قرار من الوزير وذلك ما لم يتم تعيين موظفين دائمين للقيام بمسؤوليات هذا العمل " . وهكذا ما لم يعمل وزير العدل على تعيين موظفين قادرين دائمين لهذه اللجان فإن بالإمكان إصدار قرار بندبهم أو بتكليفهم وفقا لأحكام قانون الخدمة المدنية وذلك ضمانا لاستمرارية اشتغال هذه اللجان .
بالنسبة لعقد اجتماعات لجان التوفيق والمصالحة تنص المادة السابعة من المرسوم السلطاني أعلاه على أن فرار إنشاء هذه اللجان هو ذاته الذي يحدد مقر عقد الاجتماعات وزمانها مع الإشارة إلى أن مراعاة لبعض الظروف الطارئة يكون من صلاحيات رئيس اللجنة عقد جلسات التسوية في مكان آخر داخل نطاق اختصاص اللجنة وفقا لما يراه مناسبا من مواعيد شريطة إبلاغ الأطراف المتنازعة بذلك التغيير بموعد كاف .
9 – الاختصاص النوعي للجان التوفيق والمصالحة :-
تنص المادة الرابعة من قانون التوفيق والمصالحة بشأن صلاحية واختصاصات هذه الأخيرة على أن : " تختص اللجان بتسوية أي نزاع – قبل إقامة دعوى بشأنه إلى القضاء – بطريق الصلح بين أطرافه سواء كان موضوع النزاع مدنيا أو تجاريا أو متعلقا بمسألة من مسائل الأحوال الشخصية " .
وحسنا فعل المشرع العماني حينما خصص مادة للاختصاص النوعي تتناول مجال اختصاص التوفيق والمصالحة ، وحيث معلوم أنها لجنة وليست جهازا قضائيا محض ، وبالتالي من المتصور أن تكون لها اختصاصات واضحة ،وهكذا يبدو أن المشرع يحدد مجال عمل اللجان أي مجال اختصاصاتها في اختصاصات ثلاثة : وهي القضايا المتعلقة بالمنازعات المدنية والمنازعات التجارية وكذا تلك المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية .
وأن هذا التحديد الثلاثي لاختصاص لجان التوفيق والمصالحة وفقا للمادة الرابعة أعلاه يسمح بإبداء الملاحظات التالية :
أ – إن المشرع يسمح فقط بتسوية المنازعات التي تدخل في مجال القانون الخاص لا القانون العام .
ب – أن قصر اختصاص صلاحيات لجان التوفيق والمصالحة على القضايا المدنية والتجارية والأحوال الشخصية قد يبدو مجالا محدودا في ثلاثة قطاعات فقط , إلا أن الممعن للنظر فيها يجد أن هذه القضايا هي أهم القضايا التي تواجه الإنسان أو المواطن في حياته اليومية .
ج – وأمام هذا الاختصاص النوعي المحدد قانونا في المحاور الثلاث أعلاه الواسعة والضخمة كما ونوعا نستخلص أن المشرع العماني وهو يسند كل هذا الكم من الاختصاص النوعي الواسع والدقيق إنما يعني ذلك ثقة المشرع الكبيرة في القضاة وذوي الخبرة والحكمة بعد الاختيار الدقيق لهم من طرف الجهات الحكومية المعنية ( وزارتا العدل والداخلية ) وهذا يدفع إلى الافتخار بهذه النخبة التي وقع عليها الاختيار من أجل القيام بهذه المهمة النبيلة .
د – رغم الإشارة إلى هذا الاختصاص الواسع لصلاحيات لجان التوفيق والمصالحة فلا ينبغي إغفال أن نظرها لهذه القضايا لا ينبغي أن تتعارض فيه مع ما هو مسند من اختصاص أصلي لباقي المحاكم ، وهذا ما نص عليه المشرع صراحة في المادة الأولى من المرسوم السلطاني حينما أكد على أن : " تطبق أحكام هذا القانون في شأن التوفيق والمصالحة دون الإخلال باختصاص المحاكم أو غيرها بإجراء الصلح وفقا لأحكام القوانين الأخرى " .
ه – ولا داعي لأن ينزعج المرء بشأن عدم اقتداء المشرع العماني بغيره من التشريعات التي نجدها توسع نطاق الاختصاص النوعي للجان المصالحة ، وحيث بالإضافة إلى القضايا الثلاثة أعلاه يسند لها حق النظر في القضايا ذات الطابع الجنائي وذات الطابع الإداري ، ثم قضايا قانون العمل كالمشرع المغربي والمصري والأمريكي والفرنسي وغيرهم .
إن المشرع العماني إذا لم يتأثر بهذه التشريعات فإنه حسنا فعل ، وذلك لاعتبارات عديدة أهمها :
• كون هذه التشريعات معدودة وليست هي الاتجاه الغالب ، حيث نظرا لكون تجربة لجان التوفيق والمصالحة هي تجربة حديثة وفتية فإن معظم التشريعات لا تزال تتحفظ في أن توسع من نطاق ومجال اختصاصها النوعي .
• مراعاة لطبيعة هذه القضايا النوعية الأخيرة والتي هي ذات طبيعة خاصة ودقيقة لارتباطها بالنظام العام وبالحق العام .
منقول عن منتدى القانون العماني