ضرب الأطفال و النساء بين النص و العقل
مما لا شك فيه أن الخوض في مسألة ضرب الطفل و المرأة في الإسلام يحتاج منا قراءة متأنية للنصوص التراثية قرآنية كانت أو حديثيه, فكل واحد يتعامل مع النصوص حسب خلفيته الثقافية, التي إن كانت نتاجَ حركة علمية صاعدة تخلصت من رواسب الماضي و معيقاته.
فالنص واحد ومع ذالك تختلف و تتباين قراءاته, ومن ذالك مثلا تباين تفاسير القران الكريم بين ابن كثير و السيد قطب و رشيد رضا.... فالكل وقف أمام نفس النص لكن قراءته له كانت حسب متغيرات الواقع والتاريخ و النفس و المجتمع.
.
إن التعامل مع الطفل و المرأة تعاملا دونيا و سلطويا ليس في الحقيقة سوى إفرازا لنفسية الإستعباد،كإفرازاتها المماثلة في كل مؤسسات المجتمع .لأن الظلم والإستبداد يربيان نفسيات خاصة تجعل المرء يستمرئ
الظلم إذا كان ضعيفا ،و يطغى ويتجبر إذا كانت لديه ( السلطة)،فيسود حسم الأمور بالقهر و القسر،وحل المشكلات بالضغط و العنف, فيُعمل جاهدا في هذا الإطارعلى تأصيل هذا العنف , وإن كان اتجاهَ الأولاد والزوجات , من خلال التنقيب في التراث عن كل ما يفيد في ذلك.
ولئن كانت هذه العملية مدارها محاولة التشبت الحرفي بالنصوص الذي من شأنه تجنيبنا زيغا في الفهم ,فإنها لا تشفع لصاحبها ,إلا أن نُقرن تعاملا مع مثل هذه النصوص بتعامل عقلي جدلي منهجي.
فنحن لا نعتبر طرحنا هذا محاولة لتشويه النصوص أو اغتيالها في نفوس المسلمين,بل نسعى لطرح متوازن بقدر ما يبتعد عن مواجهة النصوص (الذي يعتبر كفرا),بقدر ما يمحق أي تعامل معها بدون اقتناع (الذي يؤدي إلى النفاق).
ولعل النصوص القرآنية و الحديثية التي عالجت موضوع الضرب لتبين بجلاء عظمة هذا الدين وواقعيته.ولكن ذلك لن يتم إلا بقراءة علمية متأنية لمثل هته النصوص. فعلم النفس يعترض على أي تعنيف للأطفال كيفما كان شكله و نوعه , فما بالك بالضرب .وفي نفس السياق ما ذنب المرأة تهان بهذه الطريقة لمجرد أنها امرأة , أي لمجرد اختلاف بيولوجي كان من الممكن أن يكون الرجل محلها, فتنقلب المعايير. فكل منا ينتقي من التراث ما يتناغم مع هواه أو في أحسن الأحوال مع سقفه المعرفي.
لكن واقعية الإسلام التي لا يدركها إلا القليل لا تقفز على سنن التاريخ كما لا تقفز على سنن النفس و المجتمع, فالشرع في كثير من الأحوال ربما يداري عرف الناس حتى ينضج وعيهم ويرقى مستواهم الاجتماعي و الحضاري ، فيكونوا أكثر استعدادا لتقبل مبادئه في كمالها, فالتعامل مع الطفل و المرأة في العصر الجاهلي كان تعامليا دونيا لعدم نضج الفكر الجاهلي, فرغم وجود النصوص التي تقره ولكن من خلال شروط جمة تحيط بها .إلا أن سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم كان يعطي المثال و القدوة في كمال النضج الإنساني الذي كان بعيد المنال في ذلك الوقت,فلم يكن أسلوبه و لا نهجه الضرب و لا العنف, فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله شيئاً قط ، ولا امرأة ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل) رواه مسلم.
إن التيه الفكري الذي تعيشه الأمة يحجب عنها النظر إلى ايات الله الكونية و النفسية التي من خلالها يتبين الحق.
و السلام عليكم الله ورحمة الله وبركاته
أخوكم خالد