عشرة قتلى كلهم من الأمن المغربي، وقتيل يعمل بالمكتب الشريف للفوسفاط، وقتيل واحد من الانفصاليين، تلك كانت حصيلة أعمال الشغب التي أشعلت نارها شرذمة من أتباع جبهة البوليساريو الخارجة عن القانون، في مخيم "أكديم إزيك" بضواحي العيون، حيث يعتصم حوالي 20.000 من الصحراويين للمطالبة بتحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية، لكن البوليساريو كعادتهم في كل مرة يحبون الاصطياد في المياه العكرة، ويفضلون إثارة الفتن والقلاقل سعيا وراء لفت أنظار العالم إلى قضية مفتعلة، الغاية منها تفكيك وحدة المغاربة، والزج بالبلد في دوامة صراعات مُسيَّسة، لا شك أن الرابح الأكبر من ورائها هم كل الذين لا يريدون بالإسلام ودياره خيرا.
لكن أحداث العيون الأخيرة جاءت لتكشف القناع عن لاعبين جدد يحاولون الدخول على الخط، ليس "بخيط أبيض"، وإنما بنوايا خبيثة، وتحامل ظاهر على موقف المغرب وسياسته تجاه جزئه الجنوبي، ففرنسا التي كانت -حتى عهد قريب- تنتهج سياسة الحياد الأقرب إلى تأييد الحق المغربي منه إلى مظاهرة أعداء وحدته الترابية، لم يستطع إعلامها -بعد الأحداث الأخيرة- أن يخفي ملامح التآمر، وصِفات التواطؤ، فقد بثت وكالة "فرانس برس" خبرا عن مصادر مبهمة، يفيد بـ "سقوط عشرات الضحايا، وجرح 4.500 شخص من المتظاهرين"!!
فأين كانت الوكالة الفرنسية التي لم تنشر حرفا واحدا عن الوضعية غير الإنسانية التي يعانيها مصطفى ولد سلمى، بعد أن قرر ترك عصابة البوليساريو وتأييد الحكم الذاتي؟
أين كانت عندما تعرض عدة أفراد من الجالية المغربية بإسبانيا لاعتداءات لفظية وجسدية من طرف متظاهرين موالين للبوليساريو قاموا بأعمال شغب وعنف أمام القنصليات المغربية؟
بل أين هي من معاناة مئات المغاربة المعتقلين من قبل السلطات الجزائرية بمخيمات تندوف منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود؟؟
فإذا كان صدور مثل هذا الكذب المفضوح الذي جمع بين التضليل والتعتيم أمرا متوقعا من الإعلام الإسباني (الذي عرض صورا لأطفال غزة ضحايا الإرهاب الصهيوني على أنهم من العيون) أمرا متوقعا، لكون البوليساريو في الأصل صنيعة إسبانية، كما هو متوقع بدرجة أكبر من جارة السوء الجزائر التي يأبى حكامها إلا أن يكونوا للمغرب كنافخ الكير (حديثنا عن النظام الحاكم، مع احترامنا الأكيد للشعب الجزائري المسلم الأبي) فإنّ الأمر كان مفاجئا من الإعلام الفرنسي، خاصة أنه يأتي في وقت يعرف تزايد عدد الحكومات التي تسحب اعترافها بالجمهورية الوهمية، على خلفية مقترح الحكم الذاتي الذي طرحه الملك محمد السادس، والذي لقي -ولا يزال- إشادة وتنويها كبيرا ومتواصلا من دول عديدة.
وقد يعترض البعض هنا بالقول أن موقف الإعلام لا يعكس بالضرورة موقف الحكومة، لكنه اعتراض لاغٍ إذا علمنا أن الصحافة في العرف السياسي تبقى في نهاية المطاف سلطة رابعة لا بد أن تخضع لخط تحريري منسجم مع سياسة الدولة عموما، فتبقى الأخيرة مسؤولة -أخلاقيا على الأقل- عما يتفوه به أو يكتبه جيشها من الإعلاميين؛ فالحكومة الفرنسية لم تصدر بعد -إلى غاية تحرير هذا المقال- أي بيان أو تصريح رسمي يرد التخرصات الواردة بإعلامها، ولا يمكن أن يُفسَّر هذا السكوت إلا بكونه علامة على الرضا والقبول.
كما قد يعترض البعض الآخر بكون الصحف والقنوات الإسبانية المتورطة نشرت اعتذارا عن تلك الصور المكذوبة، لكنه في رأينا عذر أقبح من ذنب، إذ الواجب عليهم إن كانوا صادقين أن يتركوا المغرب وشأنه، ولا يدعموا حفنة ممن يهدفون إلى زعزعة استقرار المغرب والمس بوحدة أراضيه، ثم كيف لمن يملكون سجلا امبرياليا حافلا بالإرهاب، من محاكم التفتيش، إلى إبادة آلاف المغاربة في الريف برشهم بالسلاح الكيماوي، أن يتشدقوا بمحاربة "الإجرام والعنصرية المغربية تجاه الصحراويين" بزعمهم؟؟
كيف لمن يحتلون سبتة ومليلية المغربيتين أن يزعموا الدفاع عما يسمونه "حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير"؟؟؟
وفي غمرة التصعيد الإعلامي من إسبانيا وفرنسا، علاوة على الجزائر، يؤسفنا كمغاربة ندين بدين الإسلام أن يتم مرة أخرى تغييب البعد الشرعي، وإبعاده -قصدا- عن طاولة الصراع الدائر بين المغرب وأعداء وحدته الترابية، فالبيان الأخير لوزير الاتصال جاء خاليا من لغة الشرع، مكتفيا بعبارات مُنَمّقة تصف ولا تشفّ، علما أن قضية الصحراء، بل وكل قضايا المسلمين لا حل لها إلا في التطبيق الشامل للإسلام، وتوظيف كافة جوانبه على جميع الأصعدة، وفي مختلف مناحي الحياة؛ فالصحراويون -مهما حصل بيننا وبينهم- تربطنا بهم أخوة الدين قبل كل الاعتبارات الجغرافية أو العرقية..، وعليه، يجدر بالمسؤولين في هذه البلاد إن هم أرادوا سلوك أقصر طريق نحو لمِّ شمل هذا الشعب، والحفاظ على وحدة أراضيه، أن يوظفوا خطابا شرعيا يجلي الأمور، ويبينوا من خلاله لإخوتنا الصحراويين عواقب شق الصف، ونزع اليد من الطاعة، وأن من تورط في ذلك فمات، كانت ميتته جاهلية، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الفقهاء من الكثرة بحيث لا مجال معها لصاحب هوى أو شهوة سلطة أن يُلَبِّس على الناس، أو أن يقنعهم بالمسرحية الشوهاء المسماة "حق تقرير المصير".
وختاما، نقول للإسبان: إن إقليم الباسك على شفا جرف هار، فليكن اهتمامكم بمعضلتكم الداخلية عوض تأجيج نيران الفتنة بين المغاربة، ونقول للإعلام الفرنسي: لا نطالبكم بأكثر من لزوم الحياد والموضوعية، أما الجزائر التي لم يراعِ حكامها أُخُوَّة الإسلام ورابطة الدم والجوار الجغرافي، فنذكرهم بالمصير المشترك لدول المنطقة المتأثرة أصلا بحالة الوهن الذي تعانيه بلاد الإسلام عامة.
ويا عجبا لبلد مثل الجزائر التي تعاني من إرهاب الفئة الضالة، واضطراب منطقة القبائل، كيف تفتح على نفسها جبهة ثالثة هي -والله- في غنى عنها؟!!
وقد قيل: من كان بيته من زجاج، فلا يقذفْ غيره بالحجر..
فهل في القوم رجل رشيد؟