نستعرض في هذا المقال جانبا من الوقائع والمؤشرات الدالة على سعي إيران لبسط هيمنتها على الدول الإسلامية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، مع ذكر بعض نقاط التفوق الإيراني، والتي تجعل من دولة الرافضة قوة مهددة لأمن واستقرار الدول المجاورة لها، لاسيما في منطقة الخليج العربي، كما نوضح (في الجزء الثاني من المقال) مكامن الخلل في التعامل مع التهديد القائم، ونختم ببيان السبيل الأنجع لدرء الخطر الشيعي المتعاظم.
ثورة الخميني والحنين إلى إمبراطورية الفرس الكبرى
مع قيام الثورة الخمينية سنة 1979، بدأ العمل بنشاط كبير لتصدير مبادئ الثورة بهدف تشييع دول الجوار، حيث جندت جمهورية المجوس الجدد آلاف العملاء، تارة تحت ستار دعاة وطلبة علم، وأخرى تحت قناع مؤسسات العمل الخيري والتواصل الثقافي، وقامت بتوزيعهم في ربوع العالم الإسلامي، وخاصة في دول الخليج وبلاد الشام، وذلك وفق مخطط محكم يبدأ بنشر العقيدة الرافضية وبث تعاليمها في المجتمع، وينتهي بتشكيل ما يشبه اللوبيات الضاغطة المكونة أساسا من الفئات المستقطبة، والتي تشبعت بأفكار الثورة، فيتم توظيفها لخدمة الأجندة الصفوية، والعمل من خلالها على تمرير سياسات، وإحداث قلاقل وأزمات تفكك النسيج المجتمعي، والتماسك السياسي في تلك الدول، تمهيدا للسيطرة الكاملة عليها.
ولعل ما وقع بالكويت من أعمال تخريبية في الثمانينات دليل ملموس على تلك المؤامرة الرافضية، حيث بينت التحقيقات حينها أن الجهات المتورطة في تلك الفتنة على علاقة بفيلق القدس، وهو أحد أجنحة الحرس الثوري، كما لم يعد خافيا اليوم ذلك الدعم المادي والسياسي المكشوف الذي تقدمه إيران لمليشيا الحوثيين، تلك المليشيا التي قتلت العشرات من المدنيين الأبرياء بكل من السعودية واليمن، فقد كانت الأخيرة قد ضبطت باخرة محملة بأسلحة وعتاد عسكري إيراني الصنع موجه إلى تلك الفئة الضالة، فإذا أضفنا المحاولة الانقلابية الفاشلة بالبحرين قبل بضعة أشهر، مرورا بالاضطرابات والتحركات المشبوهة لرافضة المنطقة الشرقية بالسعودية في التسعينات، ناهيك عن الجزر الإماراتية المحتلة، فإن الصورة تكتمل لنرى من خلالها أفعى خبيثة تلبس لبوس الدين، وتسعى لتطويق دول الخليج.
وجدير بالذكر في هذا المقام الحديث عن سلاح "عقدة الظلم" المتجذرة في العقلية الشيعية، إذ أن سدنة المجوسية لطالما راهنوا على هذا السلاح الخبيث لتعبئة عوام الشيعة، وكذا استدراج السذج من أهل السنة، لذلك كانت كل الحركات الرافضية على مر التاريخ تعزف على هذا الوتر لبلوغ أهدافها؛ وتذكرنا هذه السياسة الدنيئة بصنيع اليهود في القرن الماضي فيما يسمونه بالهولوكوست، حيث استطاعوا إقناع العالم بأن الملايين منهم تمت إبادتهم في محرقة كبرى إبان الحكم النازي بألمانيا، ونجحوا بذلك في ترسيخ الشعور بالذنب لدى الغرب عموما، فهم إلى الآن يستفيدون من تعاطف ومساندة ليس فقط ألمانيا -التي تدفع لهم سنويا ملايير الدولارات كتعويضات على الهولوكوست!!- بل كل الدول الغربية، فلا غرابة أن يحذو الشيعة الشنعاء حذو اليهود، ما دام أن جد الرافضة هو ابن سبأ اليهودي.
العدوان على العراق.. رب ضارة نافعة
لقد بحت أصوات علماء ودعاة أهل السنة والجماعة من كثرة ما حذروا أولي الأمر في معظم بلاد الإسلام من التساهل -بله الثقة- في التعامل والتواصل مع دولة الروافض ومنظماتها، لكن أكثرهم كانوا يتغاضون عن تلك التحذيرات باعتبارها تندرج تحت باب "الصراعات المذهبية التي لا ينبغي -في عرف السياسة المعاصرة- أن تؤثر على العلاقات بين الدول"، وظل الأمر على هذه الحال حتى جاء العدوان الأخير على العراق، فاستيقظ أولئك المحترِمون للآداب الدبلوماسية، واكتشفوا -أخيرا- الوجه الحقيقي لشياطين الصفوية، لكن، ويا للأسف! ما رأينا موقفا صائبا في مواجهة الحكومات العميلة لطهران، الممسكة لزمام السلطة ببلاد الرافدين منذ سقوطها بيد الأمريكان سنة 2003، بل إن جامعة الدول العربية تعتزم عقد قمتها المقبلة بالعراق، وهو ما يدل على اعتراف عملي بحكومة القاتل المأجور نوري المالكي الذي لا تزال يداه ملطختان بدماء أطفال ونساء العراق، مثلما لم تهدأ عاصفة وثائق "ويكيليكس" التي وضعت النقاط على حروف المأساة الفظيعة التي ألحقها الحقد الرافضي بعراق الإسلام، تلك الوثائق التي كشفت سوءة المتاجرين بدماء وأعراض أهل السنة الذين يُفترض -وهنا المفارقة- أن تحميهم جامعة مكونة من دول سنية!!
لكن الحدث الأبرز بعد الغزو الأمريكي الصفوي للعراق، هو ذلك التراجع شبه الجماعي لأولئك المحسوبين على أهل السنة والجماعة، الداعين إلى التقريب بين السنة والرافضة، فقد تحولت بوصلة أكثرهم بعد العدوان الغاشم عن تأييد إيران وموالاتها، فهذا يوسف القرضاوي يعلن بأعلى صوته بعدما رأى -وليس من رأى كمن سمع- المذابح المروعة التي تعرض لها أهل السنة بالعراق على يد عصابات إيران، أن النظام الشيعي بطهران يشكل خطرا على الأمة الإسلامية، هذا كلام القرضاوي الذي كان يتزعم الندوات والمؤتمرات الداعية إلى التقريب..، بل إن تنظيمات إسلامية كبرى تُحسب على أهل السنة تراجعت هي الأخرى عن التطبيل لنظام الملالي، فحركة "الإخوان المسلمين" تخلت عن المدح والثناء على دولة الرافضة، بعدما كانت تستلهم من التجربة الخمينية قواعد وأساليب مواجهة خصومها.
صحيح أن هذا التراجع -وتَنبُّه حكام الدول الإسلامية- جاء متأخرا، لكن كما يقال: أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي مطلقا.
في العدد القادم بإذن الله نتطرق للحديث عن نقاط الضعف، والأخطاء التي وقعت فيها الدول الإسلامية في تعاملها مع مساعي إيران للهيمنة على المنطقة، لنخلص إلى بيان سبل المواجهة في ضوء أدلة الشرع، ومعطيات الوضع القائم.
الجزء الثاني من المقال
"السبيل" - العدد:92
نواصل الحديث في هذا العدد عن خطر النفوذ الإيراني، بعد أن أوضحنا في العدد السابق صورا من مساعي دولة الرافضة للهيمنة على الدول الإسلامية، وبعضا من نقاط القوة التي ترتكز عليها تطلعاتها التوسعية؛ وحديثنا في هذه الحلقة الثانية والأخيرة عن أوجه الضعف، ومعالم الإخفاق في التصدي لمحاولات الاختراق الشيعي للمجتمعات السنية، ثم ننهي المقال بإبراز العوامل الكفيلة بتجنيب الأمة خطر الوقوع في شباك التشيع.
خطأ حكام المسلمين الذي استفادت منه إيران
بعد تفجيرات 11 شتنبر التي قيل في وسائل الإعلام أن طالبان والقاعدة هما المسؤولان عنها، عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تكوين تحالف عالمي ضد ما يسمى الإرهاب، وكان لعبارة: "من ليس معنا فهو ضدنا" التي قالها مجرم الحرب بوش الصغير، تأثير بالغ في انقسام العالم إلى معسكرين: معسكر يرفع شعار "محاربة الإرهاب" بقيادة أمريكا، ويتشكل من غالبية دول العالم، ومعسكر يرفع شعار "دعم المقاومة"، وتقوده كل من إيران وسوريا بالأساس، وانضمت إليهما تركيا، فكان الخطأ الأكبر الذي سقطت فيه أغلب الدول الإسلامية هو مسارعتها إلى الارتماء في أحضان فرعون العصر، بالالتحاق بالمعسكر الأول، خوفا من أن تُتهم بجرم لم تقترفه، بعد أن تعامل كثير من حكام المسلمين مع مقولة بوش الكذاب كما لو كانت قرآنا منزلا.
وقد وصل الانبطاح والخضوع إلى حد التوقيع بلا تردد على قانون دولي لمكافحة الإرهاب، قانون كتب بنوده الصليبيون الجدد، في الوقت الذي نرى فيه النظام الإيراني يستغل هذا الموقف المتهور، ليظهر مرة أخرى بمظهر المتمرد على الغطرسة الغربية عموما، والحريص على مصالح الأمة، مع أن واقع الحال -فضلا عن أدلة الشرع ووقائع التاريخ- يؤكد لكل عاقل أن الروافض هم الداعم الأكبر لمخططات الأعداء، والحليف الأشد إخلاصا للأمريكان ضد المسلمين وبلادهم ومُقدَّراتهم (العراق وأفغانستان نموذجا)، لكن الشيعة ببراعتهم في التمثيل، وقدرتهم الكبيرة على تزييف الحقائق لصالحهم، لا يزالون قادرين على خداع فئات عريضة من المجتمع السني، والأنكى من ذلك أن تجد من بين المنخدعين أناسا من علية القوم، مثقفين وكتابا ورجال فكر، ولا عجب، فالرافضة قوم تسعة أعشار دينهم الكذب.
كما أن عدة عوامل أسهمت في الجهل الكبير لدى كثير من المسلمين بخطورة عقائد القوم ومخططاتهم، وأيضا في إضعاف المناعة ضد كل ما يتهدد كيان الأمة بوجه عام؛ ولعل من أبرز تلك العوامل:
• عدم تطرق المناهج الدراسية في جل البلاد الإسلامية لبيان الأفكار المنحرفة والعقائد الباطلة عند الفرق والطوائف المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، فتجد الحديث عن ذلك قاصرا عن إيصال الحقائق، ومقتصرا على ذكر شواهد وأحداث تاريخية توهم المتلقي بأن زمنها ولى ولم يعقب، وأنها ارتبطت بسياقات تاريخية حضارية لا مكان لها في وقتنا الراهن.
• تمييع عقيدة الولاء والبراء لدى فئة الشباب خاصة، وذلك من خلال السماح بالغزو الفكري الغربي، واستنساخ التجارب التربوية من دول الغرب والشرق الغارقة في أوحال المادية والإلحاد، حتى أصبح شباب الأمة -إلا من رحم الله- تائهين لا هوية لهم، قد ساءت أخلاقهم، وانتكست فطرتهم، تتقاذفهم الأهواء، فلا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا؛ ولا ريب أن تلاشي الحس بالمسؤولية، وفقدان القدرة على مقاومة الأفكار الدخيلة، وترك الاهتمام بقضايا الأمة والعمل على نهضتها، والانصراف عن السعي لتحقيق مصالح الأمة عامة إلى العمل على تحقيق المصالح الشخصية الضيقة، كلها عوامل تؤدي -لا محالة- إلى انهيار الأمم وسقوط الحضارات، إذ أن قيام أمة من الأمم إنما يكون بسلامة أفرادها من كل تلك الآفات الاجتماعية.
• عدم صياغة رؤية استراتيجية على المستوى الرسمي، لحفظ ما تبقى -بعد مؤامرة سايكس بيكو- من تماسك عقدي لدى الأمة في وجه كل الموجات الفكرية الوافدة، ولاشك أن من المصائب التي جرها التيار العلماني التغريبي على هذه الأمة، ما يسمى بالدولة المدنية، فلا فرق بين مسلم ويهودي ونصراني وبوذي وملحد إلا بالإخلاص للدستور العلماني، فالكل مواطنون، أما الفوارق العقدية فذابت في مواثيق حقوق الإنسان والحريات الفردية، فلا يزال بنو علمان يسعون علناً إلى تحقيق هذه الأهداف، اقتداء بالضالين والمغضوب عليهم، حتى يقول ويفعل ويعبد من شاء ما شاء، وقد كان من ذلك ما كان في بعض الأمصار والله المستعان.
وبعد.. فما الحل؟
إن أول خطوة على طريق تصحيح أخطاء الأمة في مواجهة الأخطار المحيطة بها، تتمثل قبل كل شيء في إدراك مدى الضعف والوهن اللذان وصلت إليهما الدول الإسلامية، في مقابل التفوق والقوة اللذين يتميز بهما الأعداء، ولابد من الاعتراف بالتقصير الكبير الذي طبع سياسة الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية، في إدارتها للصراع -خاصة العقدي- مع جار لم يُخْفِ نواياه التوسعية منذ قيام ثورته، ولا زال يعمل حثيثا على نشر أفكاره الخبيثة، وينفق الغالي والنفيس في سبيل التمكين لأفكاره وجمعياته ومؤسساته المشبوهة، والتي تعمل كأطراف أخطبوط يتحايل للإجهاز على فريسته.
ولابد -ثانيا- من العمل (على المستويين الرسمي والشعبي) على توعية الأمة بأهمية الوحدة، وترسيخ قيم الانتماء والولاء للدين والوطن، والبراءة في المقابل من كل ما يضر بمصالح المسلمين، أو يمس وحدتهم، أو يعين على تدمير حضارتهم.
يتوجب الخروج من دائرة ردود الفعل الظرفية، إلى المبادرة بالعمل المتواصل على صياغة المواقف واتخاذ الخطوات الكفيلة بحفظ تماسك المجتمع الإسلامي، حتى نتخلص من حالة الغثائية، وحتى لا نقول يوما: "أُكِلنا يوم أكل الثور الأبيض".
لابد من دعم صمود أهل السنة في البقاع المحتلة من قبل إيران وباقي الدول المعادية للمسلمين، لأنهم إخوة لنا من واجبنا نصرتهم، ثم لأنهم خط الدفاع الأول، والذي ينبغي لنا جميعا أن نوقن بأن سقوطه يعني بداية الانهيار أمام المد الفارسي الزاحف.
وصدق ذو النورين رضي الله عنه حين قال: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، فموقف سياسي حازم يردع أطماع الدولة الصفوية، أو دعم للمدافعين عما تبقى من شرف الأمة بالعراق وأفغانستان أو غيرهما من البقاع المسلوبة، أقوى من آلاف الخطب والمواعظ، وأبلغ من كل الكلمات.
ولعل قائلا يقول: فما جدوى أمثال هذا المقال؟
قلت: جهد المقل، وذكرى لقومي لعلهم يرجعون.. والله من وراء القصد.