يتتبع المغاربة بالواضح والملموس على الساحة السياسية حربا سياسية خطيرة فيما بين كل من حزب الاستقلال والوافد الجديد، يشتد أوارها ويزيد لهيبها يوما بعد آخر، في ظل العد التنازلي للانتخابات القادمة،وفي ظرفية تسجيل الوافد المظلي تحقيق حكومة الأستاذ عباس الفاسي لنجاح غير مسبوق في العديد من القطاعات التنموية، بينما نلاحظ باقي الأحزاب السياسية الأخرى، وخاصة أحزاب الأغلبية الحكومية على كرسي الفرجة منتظرة انتهاك قوى الحزبين أعلاه، للتهليل للهيئة السياسية الغالبة والانخراط معها في خريطة تحالفات سياسية جديدة بشكل براغماتي محض ضدا على كل منطق سياسي وطني.
لقد اختار الوافد الجديد صف المعارضة السياسوية رغم كونه شريكا في الحكومة، وشرع في البحث عن المصداقية بعد انتقال رصيده من 3 نواب برلمانيين إلى حوالي 110 برلماني بشكل غير نزيه، وسجل الرأي العام الوطني كيف كان تأثيره قويا على الجهاز القضائي أثناء محاولة هذا الأخير تنزيل المادة 5 من قانون الأحزاب على أرض الواقع في إحدى قضايا الترحال البرلماني بمراكش، مما شرعن وأباح لنفسه ترحيل عشرات البرلمانيين ومئات المنتخبين وآلاف المناضلين تحت الضغط والوعد والوعيد والتهديد.
إن اقتراب تاريخ الانتخابات أجج حسد الوافد الجديد بعد عدم تمكنه من تسجيل نقط إيجابية لصالحه، مبديا تذمره من إنجازات حكومة الأستاذ عباس الفاسي في العديد من القطاعات الحكومية، وخاصة القطاعات البنيوية الحيوية من تجهيز ونقل وسكنى وتعمير وصحة وماء وبيئة وغيرها، مما التجأت معه قوى الشر في المعارضة الجديدة إلى مضاعفة جهودها لعرقلة العمل الحكومي وفرملة أي مجهود تنموي ولو بطرق شعبوية غير مشروعة وغير أخلاقية، مما جعل هذا النوع من المعارضة يفتقد إلى أبسط قواعد المروءة وإلى الحياء الديموقراطي في صراعه غير الشريف مع منافسيه السياسيين.
وخير مثال على شراسة الوافد الجديد في الآونة الأخيرة لجوءه إلى الكيد لوزارة التجهيز والنقل ومحاولة العمل على تشويه عمل الوزير والوزارة بشأن المجهودات التنموية الجبارة المبذولة من طرف مختلف أطرها الهندسية والتقنية والإدارية ذات الكفاءة المشهود لها، علما أن المغاربة تعايشوا بشكل إيجابي مع السيد كريم غلاب كأحد الوزراء المرموقين في ولايتيه الحكوميتين، أثناء مرافقته لجلالة الملك في معظم الأوراش التنموية الكبرى، وفي استماتته في تنفيذ البرنامج الحكومي، بما فيه صموده في إصدار مدونة سير تصحيحية لسلوك السائقين على الطريق، وكل ذلك من منطلق اعتبار قطاعه الوزاري أحد قطاعات القرب برا وجوا وبحرا، تروم فك العزلة عن العالم القروي وتخفيف آثار الفيضانات في المناطق المهددة وتسهيل عملية السير والنقل على الطرقات بمختلف أنحاء المملكة، في الحالات العادية وغير العادية المطرية والثلجية، وغيرها من الأوراش التنموية الكبرى المنعشة للاستثمار ببلادنا والمشغلة لليد العاملة والجالبة للموارد المالية.
إن من أهم الشطحات السياسية الخائبة التي حاول الوافد الجديد القيام بها جلبا لأنظار الرأي العام ضدا على وزير التجهيز والنقل، اغتنام مناسبة إضرابات بعض الهيئات النقابية والمهنية قبيل دخول مدونة السير حيز التنفيذ، للركوب عليها كورقة ضاغطة وتهديدية، وهو ما أدركه المغاربة حينما تم استغلالها كورقة لتحريض بعض المهنيين ضد الحكومة أثناء عرض الوزيرة لمشاريع المراسيم التطبيقية للمدونة على النقابات والمهنيين، كل ذلك للدفاع عن لوبيات النقل المستفيدة من سياسة الريع في النقل عوض الدفاع عن شغيلة القطاع في معاناتها من طرف هذه اللوبيات.
ومن بين الحركات السياسوية البهلوانية للوافد الجديد في قطاع التجهيز والنقل زعمه أن الإضراب الذي كان مقررا بتاريخ 20 شتنبر الماضي لم يتم إلغاؤه بل هو مؤجل فقط، حيث لا تزال في رأيه أسباب الدعوة إلى الإضراب قائمة، بالرغم من المكتسبات المهنية والاجتماعية المحققة لصالح المهنيين، ولقد تجرأت هذه المعارضة الخطيرة بالتصريح بأن هذا النوع من الإضرابات لا يزعزع الحكومات فقط، بل يهدد النظام السياسي بكامله، أسوة بما حصل بدولة الشيلي في عهد الرئيس «أليندي» سابقا، مما كان من شأنه تأليب هذه الحركات الاحتجاجية ليس على الحكومة بل على النظام السياسي ككل أيضا، في ظرفية كان فيها جلالة الملك خارج الوطن يناضل في أروقة الأمم المتحدة من أجل تنوير الرأي العام الدولي بالتطور الديموقراطي والنمو الاقتصادي والاجتماعي الذي يعرفه المغرب.
بعد فشل أساليب الوافد الجديد الملتوية لم يجد سبيلا آخر لمعارضة النجاح الباهر الذي تحققه وزارة التجهيز والنقل سوى القيام بأساليب بهلوانية مبتدعة، مرة بالمطالبة بعقد اجتماع اللجان القطاعية البرلمانية، ومرة باغتنام أسلوب «الإحاطة» بمجلس المستشارين للنيل من عمل الوزارة والوزير، ومرة برشقه بأسئلة شفوية ملغومة غايتها القدح والذم وتصفية الحسابات السياسوية الضيقة، ومرة باغتنام مناسبة دراسة ميزانية القطاع باللجان لتوجيه سيل من النقد اللاذع لمنجزات الوزارة محاولة إسقاط الميزانية بطرق غير مشروعة في جنح الظلام، ومرة بانسحاب فريق الوافد الجديد من الجلسة العامة أثناء تصويت مجلس المستشارين على ميزانية القطاع وغير ذلك من أساليب المعارضة السيئة الجديدة.
إن المشهد السياسي يشهد اليوم كائنا سياسيا خطيرا على الممارسة الديموقراطية للبلاد ،لا يراعي مكتسبات المغرب في بناء الديموقراطية الفتية، حيث بالرغم من مطالبة جلالة الملك مؤخرا مختلف الفرقاء البرلمانيين بالتحلي» بروح المسؤولية والتعاون المثمر مع الحكومة لإيجاد حلول ناجعة للمعادلة الصعبة، لضرورة الحفاظ على التوازنات الأساسية ودينامية التنمية في ظل إكراهات محدودية الإمكانات»، نجد هذا النوع من المعارضة غير مبال بروح هذا الخطاب الملكي السامي، مضمرا نوعا من العقوق لجلالة الملك بعد تعاليه وتحديه للحكومة وللبرلمان.
لقد ترك هذا التحدي السياسوي للمعارضة الجديدة العديد من المغاربة يتهامسون فيما بينهم، متسائلين عن مصدر قوة هذه المعارضة المتحدية للمؤسسات الدستورية دون رقيب أو حسيب من السلطات العليا في عدة مجالات حيوية، وخاصة بشأن تصرفها غير المحسوب العواقب بالصحراء المغربية بعد تجرئها على مجالسة بعض انفصاليي الداخل سابقا، وتجرئها على تسمية الصحراء المغربية بالصحراء الغربية، واعتبار معالجة الدولة لقضية أميناتو حيدر خطأ إداريا، إضافة إلى تساؤلات أخرى يطرحها المغاربة بصوت عال من قبيل: مدى مسئولية هذه المعارضة في أحداث العيون بعد شهادات نفر من أهل المنطقة، ومسئوليتها في «توجيه الأوامر والنواهي» والتأثير على سلطة بعض الولاة والعمال كما حصل بالنسبة لوالي العيون مثلا، بل مدى تدخلها في إعداد لائحة التعيينات الجديدة للولاة والعمال ومديري بعض المؤسسات العمومية «مؤسسة العمران» مثلا ورؤساء الجامعات وغيرها من التعيينات الآتية من سفراء وغيرهم؟ إن المستقبل القريب سيجيب لنا عن هذه التساؤلات، مما يبدو معه أن سيناريو الوافد الجديد هو صيغة جديدة قوية وخطيرة لسيناريو «حزب الفديك «،مما يجب معه تعبئة البلاد والعباد ضده كخطر داخلي، في ظرفية تعبئة البلاد والعباد ضد الخطر الخارجي .
عن جريدة العلم