.
ترجمة العلامة محمد بن العربي العلوي :
هو الشيخ العلامة أبو مصطفى محمد بن العربي المدغري الفلالي الحسني العلوي الهاشمي القريشي ؛ يمتد نسبه رحمه الله إلى محمد بن عبد الله الملقب بالنفس الزكية ( أخو إدريس الداخل للمغرب وجد الأدارسة ) بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط رضي الله عنه بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولد رحمه الله تعالى عام 1298 هـ الموافق لـ 1880 م بالقصر الجديد بمدغرة بمدينة الراشدية إقليم تافلالت , ولي القضاء بمدينة فاس ثم شغل منصب وزير مستشار في مجلس التاج لدا أول حكومة مغربية بعد الإستقلال ، عايش أربعة سلاطين علويين وهم : مولاي عبد الحفيظ العلوي ( الذي أحضره مرة بجانبه في مراكش ) و مولاي يوسف العلوي , و محمد الخامس ( بن يوسف العلوي ) والحسن الثاني (بن محمد بن يوسف العلوي ) و كانت له أدوار طلائعية في مسيرة الجهاد ضد المستعمر الصليبي الفرنسي ، كان من أشهر أصحاب العلامة الحافظ المحدث أبي شعيب الدكالي رحمه الله تعالى ، وحامل رايته من بعده لما نفي السلطانُ محمد ( الخامس ) بن يوسف العلوي سنة 1373هـ ووضع المستعمر ابن عمه محمد بن عرفة العلوي ، قام في ذلك قياماً عظيماً، وأفتى بقتال المناهضين ، وجاهر المحتل بالعداوة فنفوه لمدينة تزنيت في جنوب المملكة المغربية ، ونالته جملة من المحن , والتف حوله الناس بعد وفاة الدكالي رحمه الله ، وجعلوه شيخا للإسلام بالمغرب , حكى شاهد عيان حضر ساعة تنقية البئر الموجودة في بيت الفقيه وهو البيت المعروف بدار الخنقي نسبة إلى الخنق في مدغرة , هذا البيت الذي تحول إلى دار لاستضافة السياح – والله المستعان – أن عمال البئر وجدوها مخنوقة بأرتال من الكتب المندثرة بطول زمانها في مياه البئر عندما جاء الصليبيون الفرنسيون لاعتقاله سنة 1954 بتاريخ النصارى , ففاجئهم بظاهرة كانت غريبة في ذلك الزمان و هي أنه عندما حمل حقيبة بها حاجاته كان يحمل في اليد الأخرى ثوبا أبيض ؛ فسأله المراقب الفرنسي , ما هذا ؟ فقال رحمه الله تعالى " إنه كفني " ؛ هناك قال مقولته المشهورة " إن السجن بالنسبة لي فرصة للتفكير و النفي فسحة للسياحة و الموت فرصة للإستشهاد " .
وقد أسهم رحمه الله تعالى بباع طويل في طرد المحتل الصليبي الفرنسي و بصلابة نادرة في إرجاع الملك محمد بن يوسف العلوي من المنفى , و هو الذي دخل عليه ضابط الإستعلامات الفرنسية ليخبره بصفته وزيرا سابقا ( كان وزير للعدل ما بين 1936م -1944 ) و عندما سأله في تنصيب محمد بن عرفة العلوي ملكا بدل ابن عمه الملك محمد ( الخامس ) بن يوسف العلوي أجابه الفقيه رحمه الله تعالى " يجب إعدام بن عرفة " فسأله الضابط " وكيف و لماذا ؟ " فأجاب الفقيه " لأن شرعنا يقول إذا اشترك اثنان في منصب الخلافة فيجب قتل الثاني " يشير رحمه الله تعالى إلى الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ؛ كتاب الإمارة 1853 : عن أبي سعيد الخدري قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما).
كان الشيخ رحمه الله تعالى صديقا للمجاهد المعروف ضد المحتل الفرنسي " الشيخ محمد بن عبد الكريم الخطابي " والذي كان يرافقه الشيخ من جامعة القرويين إلى محل سكن الخطابي في مدرسة العطارين .
كما أنه رحمه الله شد رحاله للإلتحاق بالثائر ضد المحتل الفرنسي " موحا و حمو الزياني الأمازيغي " بعد أن باع متاع بيته .
وقد أخبرت أنه وهو وزير دخل عليه في مكتبه الوزير الأول ( الصدر الأعظم ) , فوجده يقرأ كتابا , فسأله " ماذا تقرأ يا شيخ الإسلام ؟ " فأجابه الفقيه و هو يلوح بكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى " إنه هذا الكتاب الذي لو قرأته لأصبحت مسلما الإسلام الحق " .
قال عنه تلميذه العلامة المجدد السلفي محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله تعالى : سافرت من العراق إلى البلاد الجرمانية كما تقدم في سنة 1959 بتاريخ النصارى ثم توجهت إلى المغرب، وجلت فيه جولة ثم نزلت عند عميد الدعوة السلفية في المغرب أستاذي ومرشدي شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي في بيته بمدينة فاس رحمة الله عليه وبقيت عنده إلى أن تم نقل عملي من جامعة بغداد إلى جامعة الرباط.
وقال عنه تلميذه الأديب اللغوي محمد المختار السوسي : سيدي محمد بن العربي العلوي الفلالي
....دخلت فاسا في اليوم الثالث من المحرم 1343هـ أو اليوم الرابع، فنظمت أولا دروسي، وبعد أسابيع هدتني الصدف إلى مجلس هذا الأستاذ العظيم، فأخذتني أولا فصاحته وصراحته وتضلعه بالعربية والآداب، فلازمته ملازمة الظل للشخص، فبعد نحو شهر، سأل عني الأستاذ بعض الناس، فأخبره بأنني سوسي، ثم أدرك أنني أنتمي لأسرة مجيدة، فكانه أعجبه مني تقدمي في الأدب والعربية، وأنني لست ككثير من الآفاقيين سكان المدارس، فلا أدري بأي سبب كنت أتكلم معه يوما بعد قيامنا من درس، فقال لي إنني عرفت من أنت، فالآن اصغ إليّ، فإنني كنت وفدت على فاس في سنك، فاستفد من تجربتي، أوصيك ألا تتسلف أبدا من فاسي، ولا تتركه يدرك أنك محتاج، فإن ذلك يسقطك من عينه، وها أنذا فكل ما تحتاج إليه من الدراهم فخذه من عندي حتى تصلك الدراهم من عند أهلك، وكذلك الكتب، فهذه خزانتي مفتوحة أمامك، فخذ واقرأ ما قدرت عليه، هذا ما رحب به الأستاذ بتلميذه الغريب، فلا تسل عن مقدار تأثير ذلك في عواطفي، فكانت كيسه متسلفي دائما أربع سنوات فلم أذكر أنني كشفت لفاسي عن احتياجي، وكذلك كانت خزانته مورد كل الكتب التي بها أدركت ما أدركت.
وقال عنه تلميذه عبد الرحيم بوعبيد :" إنني وأنا صغير تتلمذت على الفقيه بن العربي العلوي في المسجد الكبير بسلا " قال " و في صغري كنت أرتاد المساجد و أذكر أن الشباب و الكهول يتسابقون لاحتلال الصفوف الأولى قرب المنبر و الأعناق مشرئبة في الصفوف الأخرى و يأتي الشيخ و يصعد إلى المنبر و يصبح كأنه قريب من جميع فئات الشعب " .
و كان الشيخ محمد بن العربي رحمه الله شديدا في نقده للصوفية و الخرافيين من شيخه العلامة الدكالي ؛ و قد تتلمذ على يديه نخبة من الكبار , من أبرزهم العلامة الشيخ المجدد السلفي محمد تقي الدين الهلالي الحسيني , والشيخ عبد الحي الكتاني ( الذي يروي عنه الشيخ العلامة أحمد النجمي ) والذي كان يأتي للإنصات إلى محاضرات الشيخ رحمه الله , و كذلك الشيخ الوزير اللغوي و الأديب السوسي محمد المختار , و عدد كثير من القضاة و الوزراء وغيرهم و كذلك ابنه مصطفى بن محمد بن العربي العلوي رحم الله الجميع رحمة واسعة .
و في سنة 1962 م بتاريخ النصارى استقال الشيخ رحمه الله من منصب وزير الدولة و توجه إلى بيته في درب الميتر ليشرع الوزير السابق في حلب أربع بقرات و تربية الدجاج ويتعيش ببيع الحليب و البيض .
توفي رحمه الله سنة 1384 هـ الموافق لـ 4 /06/ 1964م ودفن بمسقط رأسه مدغرة بقصر سيدي أبو عبد الله بمدينة الراشدية إقليم تافيلالت و قد رأيت قبره رحمه الله حين زرت قبر ابن عمه جدي المدفون بجانبه , وهو عبارة أكوام من الأحجار لأنه أوصى رحمه الله بعدم البناء عليه أو زخرفته .
************************
كتبه : إسماعيل بن علي بن العربي الحسني العلوي
منقول والشيخ محمد بن العربي العلوي المغربي رحمه الله تعالى من مشيخ الشيخ تقي الدين الهلالي المغربي رحمه الله تعالى رحمهم الله وجزهم خير الجزاء في الاخرة امين