عدد المساهمات : 11 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 17/01/2010
موضوع: علم دراسة الوثائق أو الدبلوماتيك 2010-05-23, 09:50
علم دراسة الوثائق أو الدبلوماتيك الدبلوماتيك باللغة العربية هو علم دراسة الوثائق وتحقيقها ونقدها، وهو علم يدرس الوثائق، ويحدد القواعد العامة بقصد التمييز بين الوثائق الصحيحة والمزيفة. كما انه يدرس كيفية تحرير الوثائق من اول حرف حتى النهاية. والوثيقة: هي المصدر الأصلي والأساسي الذي يعتمد عليه المؤرخ أو الباحث، وهي المادة الخام التي ينسج منها ما يكتبه. والوثيقة في اللغة العربية مشتقة من كلمة وَث.قَ، ويقال وَث.ق به اذا ائتمنه، والميثاق: العهد، والمواثقة: المعاهدة، والوثيقة: الشيء المحكم، وجمعها: وثائق، ويقال أخذ بالوثيقة في أمره: أي بالثقة، واستوثق منه أي أخذ منه الوثيقة. ووثّق فلانا أي قال فيه بأنه ثقة. ومنه وثق العقد: سجله بالطريق الرسمي، فكان موضع ثقة، وكذلك قولهم: توثق في الأمر: أي أخذ فيه بالوثيقة أو بالثقة، والوثيقة: المستند ونحوه. أما كلمة وثيقة ducument فهي مشتقة من الاصل اللاتيني docere بمعنى يعلم. وعلم الوثائق او الدبلوماتيك: هو العلم الذي بين القواعد التي يمكن بها التمييز بين الوثائق الصحيحة والمزيفة، وهو يدرس الوثائق الرسمية في مختلف العصور ليبين التغيرات التي طرأت عليها بين فترة واخرى، وهو علم يهتم ايضا بدراسة الأجهزة والادارات المختلفة التي تشرف على اصدار الوثائق، سواء كانت مؤسسات او دوائر حكومية، أو محاكم وقضاة أو اشخاص. ودور الوثائقي يسبق عمل المؤرخ، فيأتي الوثائقي أولا ويقوم بوصف الوثيقة وتحديد تاريخها وعصرها، فاذا اجازها من الناحية الشكلية، وارجعها الى اصلها والى الفترة الزمنية التي كتبت فيها، يأتي بعد ذلك دور المؤرخ ليدرس المادة التاريخية، ويتحقق مما فيها من معلومات، ويقوم بتشييد بناء البحث التاريخي، لذا فعلم الدبلوماتيك او الوثائق يعتبر من اهم العلوم المساعدة لعلم التاريخ، حيث يستعين به المؤرخ لفهم مصادره ونقدها، وتقدير قيمتها التاريخية، وبذلك نستطيع القول بأن الهدف الأساسي من التوثيق هو تقديم الوثيقة خالية من كل دس وتزوير، وهي صحيحة النسبة الى عصرها وصاحبها. ونتيجة لهذا الارتباط، فان علم الدبلوماتيك او دراسة الوثائق رافق ازدهار علم التاريخ، وبما ان الوثائق تعتبر مصدرا مهما من مصادر كتابة التاريخ، اذ بإمكانها ان تنفي الحدث التاريخي، او ان تثبته فان على العملاء ان يبذلوا جهدهم لايجاد تاريخ جديد يقتصر على القضايا والحوادث التي وقعت فعلا ويوثق بصحتها. وكان الاعتقاد السائد في السابق بان مؤسس هذا العلم راهب فرنسي يدعى دوم جان مابيلون D. J. Mabillon (1632 - 1707) وقد ألف هذا العالم أول كتاب في هذا الموضوع عام 1681، فهو من اهم المراجع في نشأة الدبلوماتيك، اذ تناول فيه قواعد النقد التي يمكن الاعتماد عليها لنقد أي وثيقة، وبذلك زعموا بأن مابيلون، هو الذي أوجد القواعد الاساسية التي تعتمد عليها دراسة الوثائق.
سلامة الشكل والمضمون وبما ان الوثائق تعتبر مصدرا مهما من مصادر التاريخ، فهي بذلك تحتاج الى جهود كبيرة ومضنية لدراستها ليس من حيث المضمون فقط، وانما من حيث الشكل ايضا، وذلك لتمييز الصحيح من المزيف، وعلينا هنا مراعاة الدقة التامة من اجل تقديم الوثيقة محققة وخالية من كل دس او تزوير، وان تكون صحيحة النسب الى عصرها وصاحبها، وهنا لابد من توافر نوعين من الصحة: سلامة الشكل من التحريف (الصحة الدبلوماتيكية)، وسلامة المضمون من التزوير (الصحة التاريخية). 1- الصحة الدبلوماتيكية او الشكلية: والمقصود بها ان تكون الوثيقة مطابقة للأسس والقواعد المعمول بها في الديوان او الجهة التي صدرت عنها الوثيقة، وكان للدواوين المختلفة قواعد ثابتة لا تتغير في كتابة الرسائل، وتختلف هذه القواعد من ديوان لآخر ومن دولة لاخرى، ويمكن تحديد القواعد من خلال دراسة مجموعة كبيرة من الوثائق، وعلى دارس الوثائق او البلوماتيكي ان يتأكد من صحة الوثيقة عن طريق دراسة شكلها، لمعرفة خصائصها الخارجية والداخلية. فالخصائص الخارجية تشتمل على كل ما له علاقة بالمواد التي استخدمت في الوثيقة مثل: طريقة الكتابة وتنظيم الوثيقة، والمواد المستخدمة في الكتابة كالرق والبردي والورق والاحبار والألوان، وعليه فان دارس الوثائق يجب عليه ان يعرف انواع الخطوط والاختام المستخدمة، وان يبين مواطن التلف والتزييف والتحريف ان وجدت، دون ان يهمل الخصائص الداخلية التي تتعلق بلغة الوثيقة واسلوب الكتابة، والعبارات المستخدمة في العصر المراد دراسته، ومعرفة هذه الخصائص ستعينه على التحقق من صحة الوثيقة شكليا. 2- الصحة التاريخية او المضمون: اي ان يكون مضمون الوثيقة يتماشى مع الاحداث التاريخية التي وقعت في الزمن نفسه الذي تنتمي اليه الوثيقة، والا تحتوي معلومات مخالفة للحقيقة: لانه قد يلجأ بعض الناس الى هذه الطريقة لتزوير الحقائق التاريخية وتقديم معلومات مغلوطة. ومن امثلة تزوير الاصول التاريخية في تاريخنا الاسلامي ما قام به الخليفة العباسي المأمون (198 - 218هــ / 813 - 833م) عندما حذف اسم الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان من مسجد الصخرة في بيت المقدس، ووضع اسمه مكانه، ولحسن حظ المؤرخين فان عملية التزوير هذه لم تكن متقنة، حيث نسي ان يغير التاريخ وهو عام 72هــ، فتم كشف هذا التزوير. ونود التأكيد هنا بأنه يتعين على المؤرخ باعتباره دارسا للوثائق بان يتحقق من صحة الاصول: لانه اذا بنى بحثه على اصول مزورة او خاطئة فهذا سيقوده الى نتائج لا تمت الى الواقع بصلة. كما يتوجب على الباحث ايضا الا يسلم بصحة كل وثيقة تقع بين يديه حتى يتأكد من صحتها، ومن ثم يقوم باستخلاص الشواهد التاريخية منها، وفي الوقت الحالي يقوم العاملون في الارشيفات - وفي علم الدبلوماتيك على وجه الخصوص بنقد صحة الأصول - ومن ثم يتحققون من صحة الوثيقة، فيوفرون بذلك وقت الباحثين وجهدهم. ولكن اذا عثر على أي وثائق جديدة ولم تدرس من قبل، ولم يتحقق من صحتها، فعلى المؤرخ أو الباحث القيام بهذا الأمر بنفسه.
علم الوثائق عند المسلمين بالرجوع الى كتب التراث الاسلامي للبحث في هذا العلم، وجدنا اشارات كثيرة تشير الى قيام علماء المسلمين قبل قرون عديدة بوضع قواعد هذا العلم، فهذا المؤرخ احمد بن مصطفى طاش كبري زاده (698 هــ - 1561 م) يقول عن علم الشروط والسجلات: «وهذا باعتبار اللفظ من فروع علم الانشاء، وباعتبار مدلوله من فروع علم الفقه، وهو علم يبحث فيه عن انشاء الكلمات المتعلقة بالاحكام الشرعية، وموضوعه ومنفعته ظاهران، ومباديه علم الانشاء وعلم الفقه وله استمداد من العرف، والكتب في هذا العلم كثيرة يجدها من يطلبها». كما أورد مصطفى بن عبدالله الشهير بحاجي خليفة (1067 هــ - 1657 م) في كتابه الشهير «كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون وتحت عنوان: علم الشروط والسجلات» قال: «وهو علم باحث عن كيفية ثبت الاحكام الثابتة عند القاضي في الكتب والسجلات على وجه يصح الاحتجاج به عند انقضاء شهود الحال، وموضوعه تلك الاحكام من حيث الكتابة...» ثم عدد لنا اسماء العلماء المسلمين ممن ألفوا في هذا الباب وبلغ عددهم عشرين عالما، وقال: ان هلال بن يحيى البصري الحنفي (245 هــ - 859 م) هو اول من الف في هذا الباب. ولزيادة التأكيد رجعنا الى العلامة شمس الدين محمد بن أحمد السيوطي واطلعنا على مقدمته التي أوردها في كتابه: جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود، واقتطفنا منها ما يلي: «... هو اني وقفت على كثير من كتب المتقدمين في الوثائق والشروط، وأتيت على ما فيها من المصطلحات الحكمية... وانه لكتاب ختمت به كتب أهل هذه الصناعة، وأرجو ان يكون واسطة عقدهم، ورابطة مقتضياتهم، التي اليها يرجعون في حلهم وعقدهم...» نلاحظ ان المسلمين عرفوا علم الوثائق أو الدبلوماتيك، واطلقوا عليه علم الشروط والسجلات، وقد اقترن هذا بعلم الفقه، لأنه لازم القضاة والفقهاء في مجالسهم، وأطلقوا على العامل في هذا الميدان اسم الشروطي أو كاتب الشروط، لأن هذا الشخص أوكلت اليه مهمة كتابة الأحكام والعقود الصادرة في مجلس القاضي، لذا فقد عرّف الاستاذ محمد جاسم الحديثي علم الشروط بأنه: «هو العلم الذي يبحث في كيفية تدوين الأحكام الشرعية على وجه يصح الاحتجاج به».
صفات وشروط واشترط العلماء المسلون عدة صفات لا بد من توافرها في من يتولى كتابة الشروط والوثائق الشرعية، ولنا ان نقتبس من ابن ابي الدم الحموي قوله في ذلك: «.. يختار له كاتب عاقل فاضل أمين عدل، عارف بصناعة الشروط وكتابة السجلات، ووضع الأحكام وترتيبها، جيد الخط حسن الضبط، بعيد عن الطمع، وان كان فقيها كان اشد استحبابا». ونلاحظ من الاقتباسات السابقة ان المسلمين انفردوا بذكر الصفات الواجب توافرها في الشروطي أو كاتب الوثائق الشرعية، وهي تتلخص في الآتي: العدالة، والديانة، والأمانة، وفصاحة اللسان، وحسن الخط، ومعرفة العربية والفقه والحساب، وان يكون خبيرا في المكاتبات الشرعية في كل حالة من بيع وتمليك ووقف وغيرها، وضليعا في كتابة السجلات، وان يبتعد عن الكذب والطمع، وان يعرف مراتب الناس لكتابة الألقاب المناسبة لصاحب كل منصب. وذهب العلماء المسلمون الى خطوة أبعد من ذلك، ووضعوا اسسا وقواعد لكتابة تلك الوثائق، فيقول شهاب الدين أحمد النويري: انه ينبغي على الكاتب ان يبدأ بكتابة البسملة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكتب لقب المشهود عليه وكنيته، وبعدها يشرع في كتابة الحادثة، وبعد الانتهاء منها يؤرخ ما كتبه باليوم والشهر والسنة». وفي هذا الصدد قال ابن فرحون «... واذا كتب الموثق كتابا بدأ بعد البسملة بذكر لقب المقر واسمه واسم ابيه وجده... ثم يؤرخ مكتوبه باليوم والشهر والسنة....» وهذا ما يعزز القول بان العلماء المسلمين هم اول من وضعوا اسس هذا العلم وقواعده. كما اوردت كتب التاريخ مواقف عديدة تدل على اهتمام المسلمين بصحة متن الوثيقة، او ما اطلقنا عليه الصحة التاريخية او مضمون الوثيقة، لان ذلك سيساعد الوثائقي على معرفة صحة الوثيقة من زيفها، واورد لنا محمد عبدالرحمن السخاوي (831 - 902هــ / 1427 - 1497) أقوالا عديدة حول اهتمام المسلمين بالمضمون، فهذا سفيان الثوري يقول: «لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ»، وقال آخر: «لم يستعن على الكذابين بمثل التاريخ». ونورد هنا مثالاً للتدليل على ما ذهبنا اليه، فقد اخرج بعض اليهود كتابا، وادعوا انه كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقام باسقاط الجزية عن أهل خيبر، وزعموا بان فيه شهادة بعض الصحابة رضي الله عنهم، وذكروا بانه كتب بخط علي ابن ابي طالب رضي الله عنه، وارسل الكتاب في عام 447هــ / 1055 الى رئيس الرؤساء ابي القاسم علي (397 - 450هــ / 1007 - 1059) وزير الخليفة العباسي القائم بالله (422 - 467هــ / 1030 - 1075)، فعرضه على الحافظ ابي بكر الخطيب، فنظر فيه وقرأه، ثم قال: «هذا مزور»، فقيل له: «من أين لك هذا»؟، قال فيه شهادة معاوية، وهو إنما أسلم عام الفتح، وفتح خيبر كان في سنة سبع (629م)، وفيه شهادة سعد بن معاذ، وهو قد مات يوم قريظة قبل فتح خيبر (عام 8هــ / 30 - 629م) بسنتين، فاستحسن ذلك منه، واعتمده وامضاه، ولم يعط اليهود ما طلبوا، لانهم اعتمدوا على وثيقة مزورة.
ثلاث خطوات لدراسة الوثيقة * معرفة الوقائع * الدراسة والنشر * معرفة النتائج
خلاصات وبهذا نلاحظ ان المسلمين الأوائل هم اول من وضع لبنات هذا العلم، وسبقوا الفرنسيين بمراحل وقرون عديدة، من اجل الحصول على معلومات دقيقة وصحيحة، تساهم في ايجاد وخلق كتابات ودراسات رصينة معتمدة لا يشوبها ادنى شك، ولم يتشدد المسلمون في ذلك الا من خلال حرصهم الشديد للوصول الى الحقيقة. ونود ان نشير هنا باننا لا نستطيع ان نأخذ الوثيقة لوحدها مجردة، وانما يجب ان توضع في اطارها التاريخي، بمعنى ان اي وثيقة تكشف لنا جانبا من الحدث التاريخي، فحتى تتضح لنا الصورة علينا ان نرجع الى كتب التاريخ المعاصرة للحدث والكتب التي تناولت ذات الحدث وصدرت في وقت لاحق. وهذا يدفعنا لمعرفة الظروف التاريخية التي ساهمت في ايجاد الوثيقة، وهي معرفة جميع الظروف والملابسات التي ساهمت في كتابة وثيقة معينة، ثم دراسة الوثيقة موضوع الحدث، وما تقدمه لنا من معلومات، واخيرا معرفة الامور التي ترتبت على الوثيقة. وبهذا فان هناك ثلاث خطوات لدراسة اي وثيقة، وهي: الاولى معرفة الوقائع التي سبقت وجود الوثيقة، والثانية دراسة ونشر الوثيقة، والاخيرة معرفة النتائج التي ترتبت على الوثيقة، وهذا ما قصدنا به من قولنا لابد من فهم الوثيقة من خلال اطارها التاريخي، وباتباع هذه الخطوات نكون قد فهمنا الاحداث التاريخية، وهذه المعرفة والفهم لظروف كتابة الوثيقة ستساعدنا على قراءة الوثيقة قراءة صحيحة، ونستطيع ان نتحقق المعلومات الواردة في الوثيقة ونصححها اذا لزم الامر.