بقلم عدنان زهار
القيمة المضافة للمحطات الإذاعية
الإذاعات والقيم
ما هي القيمة المضافة التي جاءت بها الإذاعات المحلية؟
هذا سؤال طرح للنقاش على أمواج بعض الإذاعات المحلية بالمغرب في هذه الأيام. وهذه إجابتي:
عرف المجال الإعلامي في المغرب ولله الحمد في السنوات العشر الأخيرة تطورا ملحوظا، فتعددت القنوات الفضائية والأرضية، وتكاثرت المحطات الإذاعية الوطنية والجهوية والمحلية، وتنوع المنتوج الإعلامي السمعي البصري، وتطورت آلية الإنتاج، وفرح المغاربة لذلك فرحا كبيرا، لما للإعلام من فوائد كبيرة ومقاصد حسنة، لا يجهلها أحدٌ فنترك الحديث عنها.
ومن تمام تلك النعم أن توجت بمحطتين للقرآن الكريم وعلومه، وللحديث وفنونه، ولكل ما يتصل بدين الإسلام، وهما القناة الفضائية السادسة، والتي إن لم يكن من حسناتها إلا إذاعة قراءة القرآن الكريم ساعات عدة في اليوم والليلة لكان كافيا، فما بالك بما تتضمنه من برامج توعوية وأخلاقية وتعليمية وأخبار محلية وعالمية تُعنى بالجانب الديني، وغير ذلك من الحسنات والفضائل، التي نرجو الله لها الاستمرار والارتقاء.
والثانية إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، وهي كسابقتها إذاعة قرآنية بإطلاق، وإذاعة لأهل القرآن بتميز، وإذاعة للعلم الشرعي والفتاوى الدينية وغير ذلك من الخيرات والبركات التي يجب أن تبارك في هذا الصدد ويشكر المسئولون عنها والعاملون فيها.
ولا يجب أن ننكر بالإضافة إلى هذا جهود باقي المحطات الإذاعية الوطنية، التي تذيع برامج توعوية تحسيسية ثقافية تشاورية إلى غير ذلك من علامات الخير المحمود فاعله.
لكن بالنظر العام إلى ما تنتجه المحطات الجديدة وتذيعه على أسماع الناس صباحا ومساء وليلا ونهارا، فلا يشك مسلم عاقل يستطيع أن يميز بين الخير والشر، أنها كارثة الكوارث، وشكلها ومضمونها فاجعة الفواجع، والشر فيها لا يزاحمه خيرٌ بأدنى نصيب. فالسعي فيها إفساد عقول الناس وتبليد أذهانهم وتغريب ثقافتهم، والقصد الظاهر من كثير منها إبعاد الأمة عن دينها وتزهيدُها في قرآن ربها، وتخويفها من شريعة نبيها، الظاهر منها أن يكون مَثل المسلمين الأعلى كبار المغنين ومشاهير الممثلين ونجوم الرقص، إذ لا حديث لهذه المحطات إلا عن هؤلاء وهؤلاء ثم هؤلاء...أما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرته فنِسيٌ منسي فيها، والصحابة الكرام وطريقتهم فلا حظَّ لهم في برامجها، ولا يكاد يذكر أحد أعلام الدين فيها إلا على سبيل الخطأ أو الاستهزاء.
ولقد نحت بعض المحطات منحى ذر الرماد في العيون، وإعطاء "حقٍ" للدين والأخلاق في برامجهم، فجعلوا سويعة في يوم من سبعة أيام للشريعة أو للدين أو للأخلاق...مع تشويه لصورة الإسلام وحكمة التشريع، وتصدير مَن لا أهلية له للإفتاء والحديث في دين الله، فانظر يا رعاك الله كيف أخذوا من ثمان وستين ومائة ساعة في الأسبوع ساعةً واحدة للدين، وما بقي محاربة للدين...
لكن دعونا نقل إن "القيمة المضافة" هنا المراد بها الترجمة اللفظية لعبارة "la valeur ajoutée " بالفرنسية، أو "the added value " ويراد بالقيمة ما كان حسيا ماديا، بدليل استعمالها كثيرا في المجال الاقتصادي، بل لم تظهر إلا في قواعده.
ولا يعني بها أحدٌ أبدا المعنى المشتهرَ على "القيمة" الذي يساوي في التعبير القرآني النبوي "الخلق"، إذ لا يساعد على ذلك لا الضابط اللغوي، ولا الواقع المشاهد من حقيقة هذه المحطات الإذاعية. بدليل أن منها ما وقع عليه الحكم القضائي بالمنع المؤقت من البث، لا لشيء إلا بسبب تجاوزها حدود "أدب وقواعد المجون والتفسق" !!.
فهذا خلاصة النظر في القيم الأخلاقية التي أتت بها أو لم تأت بها هذه الإذاعات:
-أول مفسدة: إسهام هذه المحطات في القضاء على اللغة العربية بل ومحاربتها، لغة القرآن ولغة النبي العدنان ولغة أهل الجنان، والتي هي لب الدين والوسلية العظمى لفهم كلام رب العالمين.اللغة العربية التي بها كان مبدأ محاربة الدين، و بالقضاء عليها انتشر التغريب بين المسلمين، وبانتشاره أعرض الناس عن القرآن المبين، وبالإعراض عنه تركت السنن، وبتركها شاعت الفتن، وبشيوعها وقعت في الأمة المحن.
ماذا فعلت هذه المحطات؟ أعلنت الخصومة على اللغة العربية في منطقها كله، إلا لماما، واستبدلتها بلهجة محلية ممزوجة مختلطة، وفضلت عليها لغة الفرنجة...وأفدح من ذلك وأقبح وآسى للقلب وأحزن، أن من العابثين المغفلين من لا يجد ما يضحك به السامعين إلا بلغة القرآن كما تسمعون بعضهم يقول مستهزئا: يا أبا حذافة...يا معشر قريش...الخ ما يلفظونه مما لا يعلمون وباله وضرره على أنفسهم، والناس غفلى عن ذلك يضحكون ويفرحون ويمرحون. ويالله والإسلام، ما ذلك إلا زيادة إهانة لأنفسهم واحتقارهم لثقافتهم وسخريتهم بدينهم.
إذا لم يكن هؤلاء يقصدون حربا على الله ودينه ورسوله –وهو ما نغلبه في حقهم إحسانا للظن-، فلا محالة أنهم في حرب على الله ورسوله...كيف لا والقرآن بينهم مهجور، والسنة في ديارهم ميتة، والخلق الإسلامي في أرضهم مقبور...
-"المفسدة الثانية: أن صار الغناء والموسيقى والصخب والضجيج هي الموضوع الرئيس لهذه المحطات، حصة الموسيقى والغناء تفوق ثلاث أرباع المنتوج والبث الإذاعي يوميا...أليس هذا غريبا؟؟؟ لا شك أننا نميل إلى الحكم بجواز الغناء والموسيقى، بالضوابط والشروط التي أكد عليها كلُّ أعلام الأمة الذين صنفوا في الجواز، ومن تلك الضوابط والشروط ألا يكون ذلك على سبيل الدوام والاستمرار، أما إذا تجاوز قدره ومقداره فهو من الحرام المحض المتفق عليه.فالشعر الذي سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سحرا، وطلب من صحابته إنشاده وترديده، وأثنى على قارضيه ودعا لهم، قال عنه مع ذلك «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا، خير له من أن يمتلئ شعرا»، وهو الذي عناه القرآن الكريم بقول ربنا سبحانه (والشعراء يتبعهم الغاوون). يقال هذا في شعر نقي نظيف يثنى فيه على الله ويمدح فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتحرك به عزائم المجاهدين في سبيل الله، يعني إذا كان كثيرا غالبا على المرء نظما وسماعا. فكيف يكون حكمه على شعر قبيح اللفظ قريب إلى الفجور والفسق، تنتهك فيه أعراض النساء، وتحرك فيه شهوات الرجال، يمدح فيه الخمر، ويحرض على الزنا؟ مع ما يصاحبه من ضجيج -سموه موسيقى- يسبب صداعا في الرأس وألما في القلب، وغير ذلك من المظاهر الشاذة المنفرة المقززة لكل سليم الطبع، والذي تسعى إليه هذه المحطات بعلم أو بغير علم هو جعل هذا الشذوذ الذوقي حالة طبيعية ينشأ عليها الصغار ويرضى بها الكبار وفي ذلك مفسدة للعقول وخراب للأذهان وإشاعة للفاحشة وفتح أبواب الشر وغلق مداخيل الخير.
ولك أن تسأل أي غلام أو فتاة عن ترتيب السور في المصحف الكريم مثلا، وسترى العجب وتسمع الغرائب، وإن أنت سألته عن ترتيب ألبوما لمغن أو مغنية، أو سرد كلامات أغانيه، أو غير ذلك فسترى أيضا العجائب والغرائب.
ألم يكن حريا بهذه الإذاعات أن تعرف الشباب بدينه وشريعته ونبيه وعلماء أمته ورجالات وطنه؟ ألم يكن حريا بها أن تخدم الشباب في علوم تنفعه كالرياضة والفيزياء والكيمياء والطبيعيات والهندسة والتكنولوجيا؟ ألم يكن حريا بها أن يعرفه بجديد التطور العلمي وحديث التقنيات العلمية والاكتشافات المعرفية؟ عوض أن تملأ قلبه بالغناء ليلا ونهارا؟؟؟
-المفسدة الثالثة –: اللغو، في حديث كثير من المذيعين لغو مستمر، وهذرمة متتابعة، بحيث لا يكاد المستمع يفهم مراد الناطق بنطقه ولا قصد المذيع بكلامه، وسبب ذلك أمور كثيرة، منها انعدام الكفاءة المهنية لدى كثير من المتصدرين حديثا لهذه الصنعة القيمة التي كان لا يقدم عليها قديما في الإذاعات الوطنية إلا الأساتذة الأكفاء المقتدرون المخلصون لدينهم والمحبون لوطنهم، لكن شتان بين الأمس واليوم... ومن أسبابها ضعف الثقافة العامة لدى هؤلاء وثقافة الخطاب وأدبياته خاصة.ومنها انعدام مقصدٍ حسن يرمي له المتكلم فلا يأتي بعد ذلك إلا بالعبث.وأشياء كثيرة مما لا فائدة منه، بل مما لا يجر إلا مفاسد ومناكر، حتى لقد سرى هذا الداء إلى كثير من أبناء الأمة ورجالها ونسائها، فلا تكاد تجد من يبين في كلامه،أو يفصح عن مراده، إلا وتغلبه التعتعة والتهجي، والله من وراء السبيل.
-المفسدة الرابعة- وهي غريبة الغرائب، في ما سموه "قيمة مضافة للمحطات الإذاعية المستحدثة": كثرة القهقهة وتواصلُها وارتفاع الأصوات بها وتعمد النساء لها، مما يبعث في أحيان كثيرة على الغثيان. لا شك أن كل من ابتلي في يوم من الأيام بالاستماع إلى محطة من هذه المعنيات، إلا واستغرب كثرة القهقهة المنافية للخلق العام، فضلا عن منافاتها لأخلاق هذه المهنة الشريفة، كما هو معروف لدى محترفيها. قال سيدنا وسندنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله: «لا تكثروا الضحك ، فإن كثرة الضحك تميت القلب». نعم، وإذا مات القلب رأى الحق باطلا والباطل حقا والنور ظلمة والظلمة نورا، فلا غرابة أن يستنكر عليَّ المعنيون منهم ويغضبون، فكثرة الضحك منهم قد تفسد عليهم حياة قلوبهم.
ثم، ما الذي يدعو للضحك المتواصل ساعات طويلة على إذاعة إنما أريد منها أن تسهم في البناء الثقافي والعلمي والتوعوي والتحسيسي والترفيهي للأمة؟ أليس الأمر غريبا؟
-المفسدة الخامسة- منع رفع الأذان، ما فائدة إذاعة في بلد مسلم يعتز أهله بإسلامهم وإيمانهم وعقيدتهم ومشربهم لا تذيع الأذان، ولا تحض المستمعين على الصلاة؟ ألم يعلموا أن إعلان الأذان على أمواج محطتهم ذخر لهم عند ربهم وغنيمة لهم يوم عرضهم؟ بالله عليكم، ما المانع الذي يجعلكم تستحيون من رفع كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ اللهم إني أشهد ألا مانع لديهم إلا أنفسهم.
-المفسدة السادسة- وهي مصيبة المصائب أيضا: الخدمات الإذاعية: نعم الخدمات الإذاعية...كيف يمكن أن تكون الخدمة مصيبة؟ ألست تبالغ يا هذا؟
لا تالله ما أنا بمبالغ، فاسمع معي إلى نوع الخدمة التي تقدمها هذه المحطات: في بادئ الأمر اقتصرت الخدمة على إرسال طلبات للعمل أو بيع عقار أو إيجاره، أو شراء مسكن أو سيارة وما إلى ذلك من الحلال المباح، الذي فيه ثواب لهم في الآخرة، مع ما يعود عليهم من فضل في سوق الاستثمار الاتصالاتي.
لكن تعدت الخدمة من الحلال المطلق إلى الحرام المطلق، صارت الخدمة إذاعة طلب من شاب يبحث عن صديقته التي تخلت عنه والذي يحبها حبا كبيرا ويريد أن يصلح خطأه معها؛ ومن هذه الخدمات شابة تتصل هاتفية بالإذاعة وتطلب من عشيقها الذي لا تريد بغيره بدلا أن يسامحها على خطئها معه، وتعترف له بأنها قصرت في حقه تحت سمع كل المسلمين في البلد صغارا وكبارا آباء وأمهات...وتبكي الشابة العشيقة بكاء كثيرا محزنا مرققا للقلوب، وتتصل الإذاعة الطيبة الرقيقة المحبة للخير الساعية لتقريب الأحباب وصلة الأرحام، بالمعشوق الذي يستغرب من عشيقته السابقة فعلها، هذا ويصرح أنه لم يعد يريدها، ولا جدوى من اعتذارها الأثيري...إلى غير ذلك مما تتأفف منه الآن المجتمعات الغربية المنحلة وترتفع فيه أصوات المنكرين من عقلاء الأمم المتقدمة، لكن الغريب أن يقع هذا في أمة الإسلام وبين شباب المسلمين ويساعد عليه من رضينا بهم ساعين للخير ناشرين للحق.
هي هذه خدمة هذه المحطات، والتي تريد أن تغطي على فسادها وقبح صنيعها بالإعلان عن بعض الأعمال الخيرية مما يقال في حقه (وإثمهما أكبر من نفعهما).
وبعد، هذا جوابي ومشاركتي في حملة السؤال الذي أذاعته بعض المحطات الإذاعية، قاصدا به البيان والنصيحة، لا التهكم والفضيحة؛ راجيا من كل من في قلبه مثقال ذرة من إيمان من أصحاب هذه الإذاعات ومثيلاتها في دول الإسلام أن يرضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد نبيا ورسولا، وألا يرضى بغير ذلك بديلا.
وقصدت بها تحذير المسلمين من آفات هذه المحطات ومصائبها وأخطارها، وخاصة أولياء الأمور من مربين وآباء وأمهات ومعلمين...فلتحذروا أبناءكم ولتراقبوا أسماعهم وأبصارهم، فالزرع سيء لا ينبت إلا سيئا.
وصادقا أدعو لأصحاب هذه المحطات الإذاعية أن يتولى الله هداهم ويبصرهم بالحق فيتبعوه والباطل فيجتنبوه، وأسأله أن يلهمهم الصواب فيأتوه ويعرفهم الزلل فيتركوه؛ واحفظ اللهم أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا من كل داء يحجبنا عنك، وصل اللهم وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.والحمد لله.