الكاتب: أبو عبد العزيز السليماني
علم علل الحديث ...ومواقف الناس منه .
قال الشيخ الإمام ابن تيمية رحمه الله .. (والمقصود هنا أن تعدد الطرق مع عدم التشاعر أو الإتفاق فى العاده يوجب العلم بمضمون المنقول لكن هذا ينتفع به كثيرا فى علم أحوال الناقلين وفى مثل هذا ينتفع بروايه المجهول والسيىء الحفظ وبالحديث المرسل ونحو ذلك
ولهذا كان أهل العلم يكتبون مثل هذه الاحاديث ويقولون إنه يصلح للشواهد والاعتبار مالايصلح لغيره قال احمد قد أكتب حديث الرجل لاعتبره ومثل هذا بعبد الله بن لهيعه قاضى مصر فانه كان من اكثر الناس حديثا ومن خيار الناس لكن بسبب إحتراق كتبه وقع فى حديثه المتاخر غلط فصار يعتبر بذلك ويستشهد به وكثيرا مايقترن هو والليث بن سعد والليث حجه ثبت إمام.
وكما أنهم يستشهدون ويعتبرون بحديث الذى فيه سوء حفظ فانهم أيضا يضعفون من حديث الثقة الصدق الضابط أشياء تبين لهم أنه غلط فيها بأمور يستدلون بها ويسمون هذا
( علم علل الحديث ) وهو من أشرف علومهم ، بحيث يكون الحديث قد رواه ثقة ضابط وغلط فيه وغلطه فيه عرف اما بسبب ظاهر كما عرفوا ( أن النبى صلى الله عليه وسلم ( تزوج ميمونة وهو حلال ) وأنه ( صلى فى البيت ركعتين ) .. وجعلوا رواية ابن عباس لتزوجها حراما ولكونه لم يصل مما وقع فيه الغلط
وكذلك أنه ( اعتمر أربع عمر ) وعلموا أن قول ابن عمر ( أنه اعتمر فى رجب ) مما وقع فيه الغلط وعلموا أنه تمتع وهو آمن فى حجة الوداع وان قول عثمان لعلى ( كنا يومئذ خائفين ) مما وقع فيه الغلط.
وان ما وقع في بعض طرق البخارى ( أن النار لا تمتلىء حتى ينشىء الله لها خلقا آخر ) مما وقع فيه الغلط وهذا كثير .
والناس في هذا الباب طرفان ، طرف من أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله لا يميز بين الصحيح والضعيف فيشك فى صحة أحاديث أو في القطع بها مع كونها معلومة مقطوعا بها عند أهل العلم به.
وطرف ممن يدعى اتباع الحديث والعمل به كلما وجد لفظا في حديث قد رواه ثقة أو رأى حديثا بإسناد ظاهره الصحة يريد أن يجعل ذلك من جنس ما جزم أهل العلم بصحته حتى إذا عارض الصحيح المعروف أخذ يتكلف له التأويلات الباردة أو يجعله دليلا له فى مسائل العلم مع أن أهل العلم بالحديث يعرفون أن مثل هذا غلط )
(كتاب مجموع الفتاوى، الجزء 13، صفحة 353.)
(ومثله حديث مسلم ( إن الله خلق التربة يوم السبت وخلق الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة ( فإن هذا طعن فيه من هو أعلم من مسلم مثل يحيى بن معين ومثل البخارى وغيرهما وذكر البخارى أن هذا من كلام كعب الأحبار وطائفة إعتبرت صحته مثل أبى بكر بن الأنبارى وأبى الفرج إبن الجوزى وغيرهما .
والبيهقى وغيره وافقوا الذين ضعفوه وهذا هو الصواب لأنه قد ثبت بالتواتر أن الله الله خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام وثبت أن آخر الخلق كان يوم الجمعة فيلزم أن يكون أول الخلق يوم الأحد وهكذا هو عند أهل الكتاب وعلى ذلك تدل أسماء الأيام وهذا هو المنقول الثابت فى أحاديث وآثار أخر .
ولو كان أول الخلق يوم السبت وآخره يوم الجمعة لكان قد خلق فى الأيام السبعة وهو خلاف ما أخبر به القرآن ، مع أن حذاق أهل الحديث يثبتون علة هذا الحديث من غير هذه الجهة وأن رواية فلان غلط فيه لأمور يذكرونها .
وهذا الذى يسمى معرفة علل الحديث بكون الحديث إسناده فى الظاهر جيدا ، ولكن عرف من طريق آخر أن راوية غلط فرفعه وهو موقوف او أسنده وهو مرسل أو دخل عليه حديث فى حديث ، وهذا فن شريف وكان يحيى بن سعيد الأنصارى ثم صاحبه على بن المدينى ثم البخارى من أعلم الناس به
وكذلك الإمام أحمد وأبوحاتم ، وكذلك النسائى ، والدارقطنى وغيرهم وفيه مصنفات معروفة ).
( كتاب مجموع الفتاوى، الجزء 18، صفحة 19.)
نقله لكم:اخوكم مناضل