بسم الله الرحمن الرحيم...
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء }إبراهيم24.
مقالة أتمنى أن تجد طريقها للقلوب لتبعث في الضمير شحنة العزيمة و صدق الكلمة و وضوح الرؤية...
يقول ليو تلستوي: لا يوجد إنسان ضعيف بل يوجد إنسان يجهل موطن قوته.
هل هي إذن أزمة الضمير...؟ أم أزمة الأمة التي أصبحت لها عدة ضمائر؟
فلا تتضح لها الصورة القاتمة بكل أبعادها و لا المشهد المتنور بكل ما له و ما عليه من بناء و تجديد و تصحيح...هذه المتاهة التي وجد نفسه فيها الإنسان عموما و الإنسان المسلم - العربي...أليس مردها للمرجعية التي تشكل غاليتها سلطة قوية خفية على تفكيره و توجهاته و يمكن القول حتى تطلعاته...فلو وضعنا استطلاعا لدرجة اليأس و الإحباط و التشاؤم التي يعيشها الواقع العربي لوجدنا أن الدرجة تفوق بكثير ما يتصوره الإنسان المؤمن و ما يعتقد بيقينيته...فلا فرق بين أن يكون الإنسان في قوله متفائلا و في سلوكه متشائما...و هذا من صميم الأزمة التي تعيشها الأمة...
فالتناقضات التي تعتصر ضمير المثقف و التي يتعامل معها بحكم التأثير الضئيل التي تحدثه الكلمة التي هي أداته و سلاحه في معركة التجديد و النهضة و التنوير إن صحت هذه المصطـلحات...ما فتئ تجعل من جهوده سراب في سراب لا يكاد يحرث شيئا حتى تأتي رياح عاتية فتطيح بكل ما تم تشييده...و من إصراره يعيد البناء مرة و ثانية و ثالثة إلى أن يشاء الله جل و علا...
و من هنا عليه أن يتصدى لجبهات متعددة في بناءه لصرح الضمير...فإذا كان الكاتب هو ضمير الأمة فما هي مكونات هذا الضمير حتى يشكل ذاك الصوت الخفي الحي القائم بدوره في خفايا الذات التي تتشرب كل ما يقدم إليها عن طريق الكتاب و المجلة و المنتديات و الفضائيات و تلك هي المعضلة الكبرى...
كيف يكون نافعا لا مضرا؟ كيف يكون محاورا مقنعا لا متسلطا متجبرا؟
هناك في الإنسان خاصيتان لو استطاع أن يستبدلهما بنقيضهما لكان صوت و كلام الضمير أعلى سلطة بعد كلام الله جل و علا و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم...هذان الخصيتان هما الظلم و الجهل...و من هما تتفرغ العديد من الآفات التي تجعل من الكائن الإنساني كائنا لا يمت للحقيقته بصلة...فالعدل و العلم هما الصفتان التي من خلالهما يصبح الإنسان إنسانا...فلو تخلفت واحدة عن الأخرى اختل التوازن و سقط الإنسان في متاهات عديدة...و هو الحال الذي يعيشه الإنسان عموما و المسلم -العربي خصوصا...
فكيف يصل الكاتب إلى زرع هذان البذرتان/ النعمتان في ذاته و محيطه...ليصبح من بعدهما يرى آثار ثمارهما في حياته و في محيطه الصغير و الكبير...؟
فالضعف ما هو إلا نتيجة الجهل...بأن القوي الأكبر الأعظم هو الله جل و علا...و الجهل بهذه الحقيقة تترتب عنه حقيقة أخرى و هي عدم معرفة أين هو الحق الذي هو أحق أن يتبع؟ و هذا يفضي إلى ظلم الذات قبل ظلم الغير...و ما العدل إلا تحقيق الحق على أرض الواقع في جل العلاقات إن لم تكن كلها...
لذلك تتكون المعادلة بين: الظلم/الجهل<---الكاتب--->العدل/العلم...
فالإنسان هو الكائن الوحيد في الأرض المكرم من طرف الله جل و علا من بين باقي الكائنات الأخرى...و بالتالي فهو الكائن الوحيد الذي تحمل أمانة تحقيق هذه المعادلة على أرض الواقع...
و مند فجر التاريخ و هو ينتقل من كفة لأخرى في سبيل بلوغ تحقيق هذه المعادلة سواء عن وعي أو عن غير وعي...و الحقيقة التي لا ينكرها إلا جاحد فقد توصل الإنسان في فترات معينة من تاريخه في تطبيق هذه المعادلة على أرض الواقع...و قد تكون أطولها و أعظمها تلك التي أسسها آخر الأنبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام...و إن كان التحقيق المطلق لهذه المعادلة لا يتم إلا في السماء...على أساس أن الله الحق العدل العليم لا يظلم مثقال ذرة و يعلم ما في الأزل و ما في الأبد...فعدله لا يقاس و علمه لا يحد...و الإنسان استخلفه الله جل و علا ليقوم بهذا الشأن و بهذا الأمر على قدر ما استطاع...مع العلم أنه لم يجبره على فعل كذا أو كذا حتى يؤمن و يقتنع بأنه يعي تمام الوعي غايته و دوره في الوجود...انطلاقا مما تركه السابقون و ما هو حاضر في العصر الحالي و ما استطاع أن يقبله ضميره بالاستناد إلى عقله/قلبه من تصورات و مبادئ و من يقين قائم على الحجة و البرهان...
و للحديث بقية إن شاء الله جل و علا...
لك التحية و التقدير...