أخي القارئ هناك نوعان من المتعلمين : أنصاف متعلمين ومتعلمين ، وأنصاف المتعلمين أخطر من الجهلاء ، أما التصميم والإرادة فهما المعول الذي تستطيع به أن تخرق جبلا ، وإنك بالإبرة تستطيع أن تحفر بئراً ؛ ذلك بإرادتك ومثابرتك .
ليس في علاقاتنا التي نحياها أفضل من معاشرة جميلة فبحسن المعاشرة تدوم المحبة ، وتعاونك مع أخيك على التخلص من عيوبه إنما هو عين العقل ، ولب الصداقة ، وما نفع المرء لأخيه إذا لم يرشده لزلـله ومعايبه ؛ لأجل تفاديها لا لأجل إثباتها ، إنما أحدكم مرآة أخيه فإذا رأى عليه أذى فليمطه عنه ، والتجمل بالصبر من شيم الرجال ، لكن متى الصبر ، الصبر عند الشدائد ، لا سيما الصدمة الأولى ، إنما الصبر عند الصدمة الأولى ، ومهما كان حجم الشدائد فلا تفوق الصابرين عندها ،
إنما تصغُر الخُطوب لدى القو م إذا كانت النفوس كبارا
وقيل :
إني رأيت وفي الأيام تجربة
للصبر تجربة محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يطالبه
فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
والصبر من فضليات الشيم ومحاسن الأمور، وليس من السهل التحلي به ، بذور الصبر مرة ولكن ثماره حلوة ، فاحرص على بذرها كي تجني ما رمت من ثمار ، لتكون ذا رأي سديد
وما كل ذلك إلا بعقل المرء ورأيه وحزمه وخوضه التجارب ، ولا دليل على رجحان عقل المرء إلا من خلال ما شهده الناس منه في المواقف والشدائد ، إنما يستدل على عقل المرء وخلقه بعمله ، ولو أردنا تعريف ذلك لم نجد غير الفضيلة اسماً ، وأول عناوين الفضيلة التضحية بالنفس .
أخي تحر الأمل واطرد التشاؤم ، واحرص على أن تكون نفسك جميلة ، وأن ترى من زاوية كلها بشرى وظنون خيِّرة ، فلن تجد غير هذا ؛ فقد قيل :
أيهذا الشاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا
إن شر النفوس في الأرض نفس تتوقى قبل الرحيل الرحيلا
وترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلا
والذي نفسه بغير جمالٍ لا يرى في الكون شيئاً جميلا
أيهذا الشاكي وما بك داء كن جميلا ترى الوجود جميلا
يتحلى المرء بحس الظن ، ويتجمل بالتفاؤل ، غير أنه لا يركب مطية الأمل دون أن يَجِدَّ في سعيه ، أو أن يثابرَ في نيل مبتغاه ، فلا تدرك الأمور إلا بالإصرار وكثرة المحاولة والتصبر والجد والتخطيط الجيد ، والسهر على بلوغ الغايات ، فإذا نسيت كل هذا فتذكر قول الشاعر :
بقدر الجد تكتسب المعالي ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن طلب العلا من غير كدٍ أضاع العمر في طلب المحال
وإذا تساوى كلامك وصمتك فقدم الصمت ، فبكثرة الصمت تكون الهيبة ، وحاذر أن يأخذك الجزع في مصابك أياً كان ؛ فكل ذلك من قضاءٍ كتبه الله عليك ، وبه الخير الكثير ، ولربما رأيت مكروهاً وأعقبه خيرٌ كثير .
تَجري الأَمور عَلى حُكم القَضاء وَفي
طيّ الحَوادِث مَحبوبٌ وَمَكروهُ
فَرُبّما سَرَّني ما بِتّ أَحذَرهُ
وَرُبَّما ساءَني ما بتُّ أَرجوهُ
والحكمة ضالة المؤمن ، ولكن متى تكون الحكمة ، تسعة أعشار الحكمة أن يكون الإنسان حكيماً في الوقت المناسب ، ولكل شيء آفة وآفة العلم الغرور ، وبغالب الأمور سوس ، التشاؤم سوس الذكاء ، وإذا أردت أن تنتصر فانتصر على نفسك أولاً بعدم ظلمك غيرك ؛ فقد قيل : تعلمت كيف أكون مظلوماً فانتصرت ، فإذا انتصرت لا تتكبر، بل اجعل التواضع مسلكك في أمورك كلها ، التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة ، لا أعظم من قلب نزيه متواضع ، ولا يأتي الكبر والترفع على الناس إلا من جهل ، فالجهل مصيبة ، فإياك أن يصفك الناس بالجهل و الصغر ، والجهل مطية ، من ركبها ذل ومن صحبها ضل ، والجهل موت الأحياء .
كن جواداً تغنم بمحبة الناس ، وإياك والبخل فإنه منقصة للرجل ،
فالجُود محبَّة والبُخْل مَبْغضة ، واعمل بكل جوارحك ، وتحرى الدقة والإتقان ، إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ، فلا يكفي عمل اليد بغير العقل ، ولا يكفي عمل العقل بغير القلب ؛ فالحرفي يعمل بيده ، والمهني يعمل بعقله ، والفنان يعمل بقلبه وعقله ويده ، وما العمل إلا طريقاً نتخذه وصولاً إلى السعادة ، فالحكمة اكتشاف مفاتيح السعادة ، واعلم أنه الحياة هي السعادة ، ولكن أي حياة ، وما هي الحياة التي بمعنى السعادة ، تذكر أنه إذا كان للحياة معنى فإن للسعادة وجود ،
عزيزي خير ركاب المرء حكمته ونيته ، فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها ممن سمعها ولا يبالي من أي وعاء خرجت ، ومن الحكمة أن تحافظ على نفسك باحترامها كي يحترمها الآخرين ؛ حين تفقد احترامك لنفسك يكون من الصعب على الآخرين أن يحترموك ، وتحري الصدق أمر مطلوب في كل الشؤون ، فابتعد عن الكذب ، ولو كنت تاجراً فاعلم بأنه قد خاب وخسر المنفق سلعته بالحلف الكاذب ، والنجاح يأتي خطوة بخطوة ، غير أن الخطوة الأولى لتحقيق النجاح هي الاستيقاظ من الأحلام ، وكن ثابت الخطى وتيقن أن ثمة خطوة واحدة بين النصر والخذلان ، واعلم أن الكيس لا يخطو خطوة إلا أن تكون على نهجٍ لا يخالطه ريب ، خير الرجال من تقيد بأحكام النبوة ،واستمع لناصحك بتأنٍ وروية ، فالدين النصيحة ، والتريث مطلوب ؛إذ خير للمرء أن يقال عنه جبانا من أن يكون متهوراَ ، على أن المرء يجب أن يكون شجاعاً ، فالشجاعة تاج تتزين به هامات الرجال وتتشرف به قلوبهم ، الشجاعة عزيزة يضعها الله فيمن شاء من عباده ، إن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية ، فالزمها دائماً يقف الحق بجانب الشجعان ؛ لأن الشجاع لا يحتاج لأن يفعل ما يثبت به شجاعته من ظلمٍ أو نحوه ، والرجل الذي توفرت فيه الشجاعة بلا استقامة لا يعدو أن يكون قاطع طريق
وإذا امتطيت الشجاعة فعليك الحذر ؛ الشجاعة بلا حذر حصان أعمى ،
وأمامك أمران : إما أن تكون ذا عقل ولربما أعياك بالتفكر ونحوه ، أو أخو جهالة ووصب يصيبك بغياب العقل ، قيل :
ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ
ومن مساوئ غياب العقل أو نقصه فساد الذوق ، والذوق السيئ يقود إلى المكاره ، وإياك والجزع إذا تأخر الرزق ، فما دمت حياً فسيرزقك الله من حيث تدري أو لا تدري .
الرِزقُ لا تَكمَد عَلَيهِ فَإِنَّهُ يَأتي وَلَم تَبعَث إِلَيهِ رَسولا
وليتأنى كلٌ في قضاء أموره بحيث لا يجعل العجلة تغلب عليه فيفسد عمله ، وليترفق في طلب أموره وشؤونه ومواقفه
الرِفقُ يُمنٌ وَالأَناةُ سَعادَةٌ فَتَأَنَّ في أَمرٍ تُلاقِ نَجاحا
وقيل :
الرفقُ يمنٌ وخير القول أصدقه وكثرة المزح مفتاح العداواتِ
وثمة فلسفة إذا ما عقلها المرء لم تغب عنه السعادة ولم يعجزه نأيها ونفورها ، فعلى المرء أن يطلب السعادة حيث البؤس ، وليحذر من البؤس في رحم البهجة ، فالسعادة تولد في البؤس ... والبؤس يختبئ في السعادة ، وعلى المرء أيضاً أن لا يسلم عقله لأفضل ظن ، ويترك ما يوقظ حدسه وتخمينه وفطنته ، عليه أن يشك ، الشك داء .. لكنه قد يعلم حكمة ، وتصبر فإن الصبر والمثابرة يولدان العجائب ، واعلم أن الصبر صبران .. صبر على ما تكره ، وصبر على ما تحب ،وقيل :
لا تَجزَعَنَّ إِذا نابَتكَ نائِبَةٌ واصبر ففي الصّبر عند الضّيقِ متَّسعُ
إن الكريمَ إذا نابتهُ نائبةٌ لَم يَبدُ مِنهُ عَلى عِلّاتِهِ الهَلَعُ