ساكنة مدينة فاس من خلال القراءة في مختلف المصادر التاريخية , نلاحظ أن مدينة فاس كانت تضم بين أسوارها تمازجا بشريا فريدا من نوعه .
و الحاصل أن سر إزدهار المدينة عبر التاريخ إلى الآن و في جميع الميادين) الدينية , العلمية , الصناعية , التجارية ....( راجع لذلك التنوع الذي إستطاع المولى إدريس رحمه الله أن يؤطره بحكمته داخل أسوار العدوتين .
و ساكنة فاس عموما كانوا من :
البربر : و هم السكان الأصليون لبلاد المغرب .
و كان أكثرهم على دين النصرانية و اليهودية و الماجوسية إلى أن وصلت الفتوحات الإسلامية لإفريقيا و بلاد المغرب على يد الصحابي عقبة بن نافع الفهري رضي الله عنه -مؤسس القيروان- مابين سنة 42 هجرية إلى حين إستشهاده سنة 63 هجرية . و أتى من بعده موسى بن نصير -فاتح الأندلس – , حيث قدم المغرب سنة 92 هجرية مع مولاه طارق بن زياد , فأسلم على يدهم غالبية بربر بلاد المغرب .
أما بيعة البربر للأدارسة , كانت أول مرة عندما قدم المولى إدريس الأول رحمه الله من الجزيرة العربية , فسكن مدينة وليلي , و في مهل شهر ربيع الأول سنة 172هجرية /788 ميلادية جاءته القبائل البربرية المنتشرة بالبلاد فكانت بيعتهم له رحمه الله على القيام بأمرهم . وبعدما تمكن سلطانه و على شأنه إتخذ جيشا عظيما منهم , و فتح بهم بلدانا عديدة و إستطاع أن يقيم بمعيتهم إمارة بالمغرب الأقصى .
وبعد وفاة المولى إدريس الأول سنة 175هجرية /791ميلادية , و تولي إبنه المولى إدريس بن إدريس الإمارة , و كان صغير السن جددت معه القبائل البربرية البيعة سنة 186هجرية / 802 ميلاية , وبعدها إنتقلوا معه لسكنى و تعمير مدينة فاس .
-مدينة فاس في عصري المرابطين و الموحدين ص 153-
العرب : و كانوا منقسمين لمجموعتين ) عرب الأندلس و عرب القيروان(.
1. أهل الأندلس : بعد ثورة الربض سنة 190هجرية /806ميلادية , و التي عرفتها مدينة قرطبة , وقد إمتدت لسنوات , حيث قام أهلها بالثورة متحدين طغيان و جبروت الحكم بن هشام , و الذي قتل منهم الكثيرين من دون شفقة ولا رحمة ...
فكان أن أجلاهم الحكم من قرطبة , و كانوا من خيرة سكان الأندلس من العمال و الصناع و طلاب العلم و صغار الفقهاء و كبارهم أمثال يحيى بن يحيى الليثي-راوي الموطأ- و طالوت ابن عبد الجابر و عيسى بن دينار رحمهم الله .
-معالم تاريخ المغرب العربي و الأندلس ص 320-
و كان من الوافدين على المولى إدريس سنة 202هجرية /817 ميلادية , 8000 بيت من أهل قرطبة , شيدوا وأقاموا بالعدوة اليمنى لواد الجواهر فسميت العدوة بإسمهم -عدوة الأندلس - و كان لهؤلاء الأندلسيين أثر كبير في تنمية العدوة .
2. أهل القيروان : و كانوا 300 بيت ممن قدموا فاس سنة 210 هجرية/ 825 ميلادية . و قد استقر أهل القيروان في العدوة اليسرى فسميت بإسمهم – عدوة القرويين -.
و كانوا عربا جذبتهم مكانة الأسرة الإدريسية و كان هؤلاء القادمون ممن ألف حياة المدينة الإسلامية و قد كان بعضهم على الأقل ممن له مشاركة بشؤون الفكر أو ممن له حذق بأمور الصناعة و فنونها . ولعل إتخاذ مدينة فاس خصائص المدينة الإسلامية بسرعة يرجع لهؤلاء القوم . و قد وفدت على فاس وفود من العرب من المشرق العربي و قد ظلت الهجرة من المغرب الأدنى إلى المغرب الأقصى مستمرة خلال قرن من الزمان منذ خراب القيروان عام 445 هجرية ...حتى الفتح الموحدي للبلاد الشرقية فيما يذكر عبد الواحد المراكشي رحمه الله - كانت القيروان حاضرة المغرب فلما إضطرب أمرها بعبث العرب فيها فر أهلها و نزل أكثرهم فاس - .
-الأنيس المطرب ص 47 –
أهل الذمة : من اليهود و النصارى الذين إستفادوا من الأمان و السلم الذين يوفرها الإسلام لأهل الكتاب و يعتبرون جزءا من الحياة الإجتماعية لمدينة فاس منذ أول يوم لتأسيسها حيث لا يمكن إقصاؤهم و حسب بعض الروايات كان بعضهم من البربر و البعض الأخر من القادمين في ظل الهجرة هربا من الإضطهاد الأوربي بحثا حياة جيدة جديدة .و الشاهد أنهم كانوا يمارسون حياتهم كفاسيين متوزعين بين العدوتين .
و تعتبر هاته الفئة الساكنة لمدينة فاس أيام المولى إدريس و قد عرفت فاس على يده رحمه الله تطورا سريعا على جميع الاصعدة , حيث عمرت المدينة في زمن قياسي بفضل المهاجرين من قرطبة المحملين بتراث أهل الأندلس الشامي الأصل و مهاجري القيروان المحملين بتراث أهل إفريقيا المتأثر بحضارة مصر و الشام و العراق . و هذا التمازج هو الذي أعطى لفاس ذاك التميز و جعلها تتفوق على أقرانها من مدن المغرب و بعض مدن العالم الإسلامي حيث عرفت إزدهارا و رخاءا منقطع النظير ظهر لنا جليا في عهود الحكم المرابطي و الموحدي و المريني .
حيث ينقل لنا إبن أبي زرع الفاسي في كتابه الأنيس المطرب -ص 48و 49- نقلا عن تقييد بخط الشيخ الفقيه علي بن عمر الأوسي أنه نقله من زمام بخط المشرف القويقي مشرف مدينة فاس أيام الناصر الموحدي .
أنه انتهى عدد مساجد فاس في عهد المنصور و ولده الناصر إلى 782 مسجدا و أحصاء ما بها من السقايا 80 منها بمياه العيون و منها بمياه الأنهار و عدد دور الوضوء 42 موضعا .
أما إحصاء ما بها من الديار 83.236 دارا و 19.041 مصرية -دور و بيوت صغيرة تبنى فوق الحوانيت و مداخل الدور الكبيرة ونحوها نسبت إلى مصر لأن شكل بنائها منقول منها -.
أما عدد الفنادق المعدة لتجار و المسافرين و الغرباء بلغ 467 فندقا و عدد الحوانيت 9082 حانوتا و قيساريتان )أحدهما بعدوة القرويين و الثانية بعدوة الاندلس( .
و أحصى ما بها من ترابيع – جمع تربيعة وهي سوق صغير مربع الشكل يعمل به بعض الصناع كالخياطين و غيرهم-و الأطرزة معدة لصناعة الحياكة 3064 موضعا .
أما الديار المعدة للصابون 47 دارا و ديار الدباغة 83 دارا و ديار الصباغة 116 دارا و 12 دارا لسك النحاس و 135 كوشة لعمل الجير .
أما عدد الافران لطهي الخبز في جهات و أزقة فاس فهي 1170 فرنا و كان بها 11 موضعا لعمل الزجاج و خارج السور من الديار المعدة للفخار 188 دارا و 400 حجرة لعمل الورق .